كيف تعالج النفوس الضعيفة التي تمتلأ قلوبهم الحقد والنميمة

مصطفى السبع

 

قصة قصيرة بطلها حكيم بإحدى القرى.. ولد هذا الحكيم في قرية صغيرة ومن عائلة متوسطة الحال والده كان إماما لمسجد القرية وعندما وصل عمره الرابعة عام كان يلازم والده في كل أوقات الصلاة فكان والده مؤذنا وإماما وكان بعد كل صلاة يجلس بالمصلين ليلقى عليهم حديثا عن إيجابيات وسلبيات الحياة فكان الجميع ينصتون اليه ويعجبون بما يقول وبعد الانتهاء من الدرس يخرجون من المسجد متجهين الى منازلهم والغريب انهم عندما يخرجون من المنزل على الفور ينسون ما قيل لهم أثناء الدرس حتى ينفذوه ويعملون به في حياتهم الخاصة والعامة ولكن مع مشاكل الحياة المتطورة وتركيزهم في مطامع الدنيا كانوا لا يتذكرون ما قيل لهم بالدروس الدينية فيظلوا كما هم يعيشون بنفس طريقتهم التي تؤدى إلى النميمة والحقد والغل والطمع بالرغم من كثرة الأحاديث إليهم بالاعتدال ولكن دون جدوى فكانت أحاديث إمام المسجد لا تؤثر عليهم بشيء..

 

مرت الأعوام وكثرت الخلافات والغرور النفسي والمطامع التي كانت سببا في زيادة حالات الكره بين الجميع إلى أن وصل الأمر إلى انتشار الخيانة بينهم بسبب جهلهم وعدم إتباع الدروس والتوصيات والأحاديث فى الأمور السلبية مما أدى الأمر إلى أنهم اقتنعوا تماما بأن لا بد أن يكون فيه سلبيات في سلوكياتهم وهذا ما أدركوه من كثرة الأحاديث عن السلوكيات السلبية ..

post

 

إبن إمام المسجد عندما كبر وأصبح رجلا حكيما تعلم من والده الحكمة والصبر والهدوء ودراسة المواقف والتعامل معها وفكر بجدية كيف يعالج هذه الأمور فوجد أن كثرة الأحاديث عن السلبيات لا تؤثر على البشر وأن الأمثلة التي يتحدثون عنها وعن سلبياتها أيضا لا تؤثر عليهم بشيء لأنهم كانوا يكتفوا بالسمع والمشاهدة لا أكثر .

 

فجاءت فكرة ببال هذا الحكيم وهى أن يمحو من ذاكرتهم أي شيء يدعو للسلبية وقال لنفسه ماذا لو أصبح حديثه عن الإيجابيات فقط وماهي نتائجها وتأثيرها على صاحبها وبالفعل بدء يجتمع بالناس بعد كل صلاة كما كان يفعل والده ولكن في هذه الحالة ركز على الايجابيات في حياة الإنسان فبدأ حديثه عن صفات ونشأة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحدث إليهم عن بداية حياته عندما بعثه الله هدى للناس وبالرغم من الأجواء التي كانت تحيطه والتي يعلمها الجميع جيدا من سوء المعاملة والحرب ضده من المشركين حتى لا يبلغ رسالة الله للجميع إلا انه كان إيجابيا في كل تصرفاته فنجح وبلغ الرسالة على أكمل وجه وأصبح خاتم المرسلين وهدى للمتقين وكل من اتبعه قد فاز فوزا عظيما في الحياة وفى الآخرة.

 

ثم تحدث عن طبيب كان ناجحا في عمله الى أقصى درجة وكان يساعد الفقراء والمساكين ويقف بجوارهم ويعالجهم بالمجان وكان دائما ينصحهم بالحب والتعاون في المعاملة وأن يتعلمون منه الإخلاص في العمل والاحترام والمبادئ. لأنهم هم أساس النجاح بالحياة والوصول الى تحقيق الحلم الذى يتمناه الجميع

 

ثم تحدث عن مدرس كان من أفضل المدرسين سمعه وخلقا وما وصل إليه من حب الناس له واحترامهم له لأمانته وإخلاصه في مهنته حتى تخرج من خلال علمه ودراسته الحكيمة أساطير في العلم والمعرفة لأنه كان دائما يرفض الحديث عن سلبيات الحياة وكان دائما يتحدث عن الايجابيات لأنها هي الأحق وهى الصواب نحو الاستقرار والنهوض الى أعلى وقد أثمرت هذه الايجابيات عن الاستفادة الكاملة لتلاميذه والتي نفعتهم فى حياتهم المستقبلية لأنهم تأسسوا على أساس قوى يدعوا إلى التحدي والصبر والاجتهاد حتى نالوا النجاح وحققوا لأنفسهم أهدافهم ليعتزوا بأنفسهم أمام الجميع وليتركوا بصمة جميلة مفيدة للأجيال القادمة.

 

ثم تحدث عن مهندس بدأ حياته بحماس شديد ليحقق حلمه ولكنه كان مركزا على حسن التعامل بينه وبين الاخريين خلقا وأدبا واحتراما لهم ولخبراتهم وكان يتعلم منهم أشياء كثيرة تهم حياته العملية فنجح هذا المهندس بسبب حسن المعاملة وبسبب حبه للجميع وحب الجميع له وانتشار السلام والامان بينهم. حتى نجح في حياته ونال الجميع نفس النجاح لأن المنظومة كانت متكاملة ومتفقه على سياسة واحده وأسلوب واحد وراقى ومهذب .

 

ثم تحدث عن التاجر الذى كان لا يلتفت لغلاء الاسعار وكان هو الوحيد الثابت عند موقفه فكان عندما يذهب ليشتري بضاعته ويرى أن الأسعار قد ارتفعت كان يأخذ نصيبه فقط بالمبلغ المتاح معه ثم يعود إلى محل البيع الخاص به ويبيع بنفس السعر السابق فيتسابق عليه الجميع لشراء احتياجاتهم منه فكانت دائما بضاعته مباعه ولا تنتظر كثيرا مثلها مثل باقي البضاعة الأخرى فى الاماكن الاخرى فنجح في تجارته ونال استحسان الجميع ورزقه الله رزقا كبيرا لأنه حافظ على الايجابية من ناحية التواضع والقناعة وكان سببا في تنظيم الحالة الاقتصادية بالقرية التي يعيش فيها عندما التزم باقي التجار بنفس الايجابية التي يعمل بها هذا التاجر .

 

ثم تحدث عن تطوير الأمم التي تعاملت مع بعضها بالطرق الايجابية التي ساعدتهم على النجاح والتطور والتخلص من الازمات وضمان المستقبل لهم ولأولادهم.

 

ظل الحكيم يتحدث بكل الدروس التى يلقيها لهم عن الإيجابيات ومدى الاستفادة منها إلى أن بدأت حياتهم تنقلب من شيء إلى شيء آخر أفضل فانعدمت بداخلهم السلبية لأنهم اهتموا بالإيجابيات التي عندما دخلت وسكنت وترعرعت داخلهم وأصبحت المساحة غير كافيه لدخول السلبيات داخلهم وقد أدى هذا لنجاح وتطور القرية التي اشتهرت بالتسامح والتعاون والاحترام والأمان .

 

ولو بحثنا عن هذه القرية سنجدها تتمثل في أكثر من دولة سمعتها طيبه بأهلها المحترمين الملتزمين بالإيجابيات فمن هو الحكيم الذى ترك هذا الأثر فى نفوسهم وأصبحوا شعوبا مسالمه محترمه تحافظ على التقاليد وعلى السلوكيات الإيجابية بين البشر ومن هو الحكيم الذى لم يترك بداخلهم مساحة لدخول السلبيات بينهم …

 

إنها رسالة حكيم لكل البشر على أن يلتزموا بالإيجابيات فقط وأن يتركوا السلبيات تذهب وحدها للجحيم فالتحدث عنها يزيدها شأنا وقوة داخل نفوس البشر ولكن التجاهل لها يسقطها الى القاع فلا تجعلوا مساحات بداخلكم حتى لا تتمكن السلبيات بالدخول إليكم.
فواصلوا وأكثروا الاحاديث عن الايجابيات وعن نتائجها فهي الأحق والأفضل لبناء جيل وبناء مؤسسة وبناء وطن.

زر الذهاب إلى الأعلى