جوهر المحاسبة

حماده مبارك

قال ا .د محمد مختار جمعه وزير الأوقاف ، بأن محاسبة النفس من شيم المؤمنين وخصال الصالحين والمقربين، الذين يُحاسِبون أنفسهم قبل أن يُحاسَبوا، ويَزنون أعمالهم قبل أن توزن عليهم، ويسألون أنفسهم قبل أن يقال لهم: “وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ” (الصافات: 24) ، لَم تغب الآخرة ولا ذكر الموت عنهم طرفة عين، يعبد أحدهم الله (عز وجل) وكأنه يراه، وكأن الموت يتبعه، وكأن الجنة عن يمينه والنار عن شماله.

وقد قال نبينا (صلى الله عليه وسلم) لسيدنا حارثة بن النعمان: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟ “قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): انْظُرْ مَا تَقُولُ، فَإِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لِيَلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ كَيْفَ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ كَيْفَ يَتَعَادَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): “أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ (مَرَّتَيْنِ)، عَبْدٌ نَوَّرَ الله الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ” (شعب الإيمان).

لم تغرهم الدنيا وإن أقبلت ، ولم تشغلهم إن هي أدبرت “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ” (فاطر: 5) ، فقد استعدوا على كل حال، وطَّنوا أنفسهم على الصبر عند البلاء والضراء ، والشكر عند النعمة والسراء، فالعاقل السعيد من وُعِظَ بغيره ، والشقي الأحمق من لا يُوعَظ إلا بنفسه.

غير أن بعض الناس قد لا يفطن لجوهر المحاسبة وكيفيتها، فيظن أن محاسبة النفس تقف عند أداء الشعائر والعبادات فحسب، ويغفل عن محاسبة نفسه عن مدى إتقانه للعمل، أو إهماله فيه وتفلته منه، وقد لا يحاسبها على كل ما اكتسبه أو حصله من مال ومدى حلِّه أو حرمته .

post

وقد لا يحاسب نفسه على تقصيرها في حق اليتيم والضعيف والمسكين والمحتاج، وقد لا يحاسبها على ترك الوفاء بالحقوق الخاصة والعامة، وقد لا يحاسبها على أداء واجباتها المجتمعية والوطنية، وقد لا يحاسبها على كل لحظة وكل نَفَس خرج أكان في خير أم شر، يقول سبحانه: “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” (الزلزلة: 7 )

على أن محاسبة النفس لا تنتهي بانتهاء رمضان، ولا تقتصر على وقت دون وقت، فمن يدري متى نُقبَض؟ وعلى أي شيءٍ نُقبَض؟ فقد أخفى الحق سبحانه رحمته في طاعته، وأخفى غضبه في معصيته ، فكن دائمًا على حذر ، مقبلًا غير مدبر .

زر الذهاب إلى الأعلى