الروائي الليبي سالم الهنداوي …  صاحب ألق الكتابة والرسالة المنشودة !!

مفتاح الشاعري /ليبيا

عام 1955 شهدت بنغازي ميلاد الروائي الليبي سالم الهنداوي .. وفيها كان تعليمه الابتدائي الذي لم يتعداه لظروف أحاطت به لكنه وبالمقابل كان العصامي الذي نهل من الثقافة ليبرز بداية السبعينات من القرن الماضي على صفحات العديد من الصحف الليبية باسم ” سالم زنقي ” فكان ان كتب العديد من القصص والخواطر والمقالات , وفي مرحلة لاحقة بدأ بنشر على صفحات الصحف والمجلات الليبية قصصه ومقالاته السياسية والثقافية باسمه الحقيقى (سالم الهنداوي( , أيضا كان في حضور واضح في مجال الأدب عبر صحف عربية كمجلة الوطن العربي، وكل العرب والتضامن، والفرسان، والناقد والاغتراب الأدبي والموقف العربي والآداب والكفاح العربي في بيروت والموقف الأدبي في دمشق، وأقلام والطليعة في بغداد،ونزوى في عمان،والدوحة في قطر والكفاح العربي والسفير والنهار في بيروت،والصباح التونسية، وأنوال المغربية، والاتحاد الإماراتية وصحيفة الأسبوع الأدبي السورية والقدس العربي والعرب والزمان والحياة اللندنية

. أيضا قام بالنشر في مجلات خارج الوطن العربي كباريس ولندن ، والشاهد في قبرص هذا إلى جانب عمله كمراسل ومحرر ثقافي غير مقيم للعديد من الصحف والمجلات الصادرة في لندن وبارس ونيقوسيا وبيروت، وأبوظبي مع الإشارة الى انه كان قد تولى رئاسة تحرير مجلة ” المجال ” ذائعة الصيت والمكانة داخلياً وخارجياً وفي عام 1999 قام بتأسيس (مؤسسة المتوسط الدولية للصحافة والإعلام) بقبرص , وأصدر مع ” ٔالمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ” مجلة (القصيدة) التي ترأٔس تحريرها الشاعر السوري نوري الجرّاح , ايضا ترأس الهنداوي تحرير مجلة (المجال) للثقافة والعلوم ( 2003 -2010 ) وخلال هذه الرحلة المعطأة كانت هناك فترة عمل له بالسلك الدبلوماسي وخلالها تقلد العديد من الوظائف القيادية في الثقافة والإعلام .

ويعتبر الهنداوي من المثقفين الذين يدعون إلى ضرورة حضور الوعي من خلال صوت المثقف المدرك لرسالته بأعتبار انه هو الذي سيظل خيرمن يروى المشهد برمته من ايجابيات وسلبيات معا , وما كان للهنداوي ان يؤمن بهذا الاتجاه لولا انه كأديب عايش الواقع بكل مشتملاته اجتماعيا وسياسيا وتوعويا ايضا خاصة وانه من جيل كانت فيها المنارات الثقافية حاضرة معه كخليفة الفاخري والنيهوم وغيرهما الكثير وهو من جيل امن بالتواصل الفكري في امته في تلك الحقبة الزمنية التى ودعها بكل ما فيها من شخوص ومواقف كانت تمثله تلك الشخصيات ويفتقدها الآن رغم أنه لازال في معايشة لواقع ما يحيط به ليكون النتاج في النهاية ادب مقرؤ وكأنه بذلك في مجاراة ذاتيه لما قاله الروائي الروسي ديستوفيسكي ( لكن… كيف يمكنك أن تعيش دون أن يكون لديك قصّة ترويها)

وفي لقاء جمع بينه وبين شاكر نوري في حوار جملة من المواضيع .. الأدبية بمدينة بغداد وينشر في مجلة الموقف العربي قال : –

post

(لا أذكر بالضبط كيف يحدث هذا القتل الأليف .. زمان كنت انشغل بالفكرة وأهتم بالحديث وبالشكل .. الآن لا أستطيع أن أتذكر كيف تحدث هذه العملية .. لكن اذكر تماماً انه حين يلمح شيء وأشتهيه أجد نفسي متورطاً في كتابته إلى النهاية التي قد لا تتعدى الأسطر القليلة ,. أجد نفسي أمام نص يكتبني أو أنا اقرأه قراءة عجيبة لسرد لا لسلطة لي عليه .. حين يكتمل هذا المزاج أو هذا الطيش اقرأه من داخله .. هذه القراءة التي أتمنى أن يتحلى بها القراء ) وربما كان الهنداوي في ذلك في توافق مع ما قاله الشاعر الأيرلندي شيموس هيني ” إن الكتابة هدية إلى النفس البشرية القابلة للنسيان غايتها الحصول على موجة من الحياة الداخلية أو توريد الشعور الداخلي ”

سالم الهنداوي ظل الروائي المسكون بحب الاماكن والوجوه والتفاصيل الصغيرة و المهتم بقضية بلاد بين محيط وخليج وارض اكتسب الانتماء بالميلاد لها . لكن ذلك كان بشكل او بأخر قد أدت به الى غربة داخليه وخارجية معا فلم تخلوا رواياته او قصصه جانب الانجذاب المتتالي فكان بسعة وصف ودقة حبكة ودقائق من مواقف نسجت له البناء المتكامل للعمل الأدبي وهو في هذا بأعلان من حالة تقبل مع التحليل وفي جانب من رسالة فلسفية قالت بالتفاعل مع التفاعل مع الموجود خدمة للكتابة ليكون ذلك المسار الذي عرف به من هي حياة بأسره و بكل استخلاص ما استوجب الحديث عنه او روايته بمواطن جمال ونقيضه ورحمة وعكسها وحب والعزوف عنه وشخوص لم تكن دائماً في مراكز البطولة او التتويج .

بهذا كان سالم الهنداوي الأديب الليبي الذي حظى حقيقة بالاهتمام على الساحتين المحلية والعربية وعند الحديث عنه فأننا لن نتجاهل ما قاله عنه ” شاكر نوري” بأن الهنداوي كان المهتم باللغة الشعرية واختزال اللغة البرقية ليكون هناك نتائج عفوية تتلاقى مع الاحتراف اليومي وسنضيف أن الهنداوي ” أيضا لم يهمل جانب التغزل بجمالية اللغة ولم يفارق تعمقه المقصود بفكرة العمل حتى انه ليجوز لنا أنه كان المفتون اقتدارا بعشق المفردة القلقة بأدة الأديب المتمكن من التعامل مع النص الإبداعي براحة مسافر وثقة مجد حتى انه وفي جانب المفردة في اللغة ظلت لديه فضاء يكتنز الرعشة والحنان والقسوة في وقتْ واحد , نافياً في الوقت ذاته محاولة خلق أحداث من شأنها التنظير ( لتقنية جديدة للقصة تشترط اللغة الشعرية )

أن ما يميز الهنداوي في الواقع أنه من الأدباء الذين يستشعرون لحظات إبداع تصلح كونه ( أسير لحظة الأملاء الضرورية ) وهكذا فأن أي تورط له في النص كان بمقدوره ان يجعلها لحظات استلهام لنهايات وقدر من لحظات واسرار جميلة وجنون عبارة خاصة وانه المعترف بأنه يكتب النص بأيمان بأن المبدع حينما يكتب نصه فأنه في حالة صاحب المنطور الخارجي وهو بذلك يمثل جانب التلقي الذي يمكن ان يكتشف ما قد يعتر النص من نقص او شأبة محققا مرحلة تتعدى ( ورشة النص ) إلى محاكاة ( النص الإبداعي المطلق )

ويرى الهنداوي بأن ( كل التقنيات في القصة أو في الرواية قد تنتهي ويظل الكلام )وبهذا فهو ينتقل بخطوات هامة ومدروسة هادفة الى قاعدة متطورة رأت ان ( تجربة القصة التقليدية كان يعنيها المضمون فقط فأهملت اللغة ) وهو في ذلك في دعوى الى ضرورة بلوغ الايمان القائل بأن ( الفن لن يتطور دون وعي جمالي ووجداني ), وليخلص إلى أساسيات مفادها بأن ليس الإبداع في كيف تختزل العالم وكيف تقبض على لحظة الكتابة والانتهاء بحالتها المنورة إلى قماش من تفاصيل الممكن ..) وبهذا يضع النهايات المفتوحة ليست لعمل مرئي أو مسرحي ولكن للدفع بالتفكير والتأمل إلى الانطلاق لإيجاد أسس جديدة لفكرة الإبداع ذاتها

وله اصدارات عديدة قصصية وروائية في ليبيا وخارجها وهى :

“الطاحونة”، 1985 – “خرائط الفحم”، 1994 – “رحلة نوح الأخيرة”، 2019 – “ليل بيزنطي”، 2019 النتاجات الأخرى: • “الجدران” (قصص)، 1978 • “الأفواه” (قصص)، 1984 • “علاقة صغيرة” (حكايات)، 1985 • “أصابع في النار” (قصص)، 1986 • “رصيف آخر” (مقالات)، 1994 • “الغابة” (قصص أطفال)، 1996 • “ظلال نائية” (قصص)، 1999 • “عودة الولد الصغير” (حكايات من بنغازي)، 2004 • “حائط اليوم السابع – تأملات في جهة الضوء” (مقالات)، 2005 • “أوراق في رياح الشرق – سقوط الدولة الثانية” (مقالات)، 2006 • “أصحاب المغيب” (كتابات في الغربة)، 2015

• ( الجدران

مجموعته القصصية – 1978

• ( الأفواه

رواية- 1985 وكانت قد نشرت على حلقات في مجلة الموقف العربي الصادرة في قبرص !!

• ( علاقة صغيرة )

مجموعة من الحكايات والقصص – 1985

• ثم لتتالى مؤلفاته مروراً بمجموعته

( أصابع في النار ) و ( سرير الجمر )

و ” ذاكرة النجوم ”

و” ( الغابة )

وهي مجموعة قصصية للأطفال ,

, و ( خرائط الفحم ) مجموعته القصصية ثم

( زهرة البلوتونيوم ) ..

وفي نهاية هذه الوقفة فليس أدل من نجاح لهذا الروائي الليبي من أن بعض من أعماله قد وصلت إلى مدرجات البحوث الجامعية حيث اتخذ من بعضها رسائل جامعية وأيضا ما هو ثابت من أعماله الإبداعية التى ظلت ولأهميتها موضيع لبجث وحديث ورسائل الكثير من المهتمين بقضايا الأدب وجمع كبير من النقاد ذوى المكانة .

واخيرا…

الهنداوي الروائي الأنسان سيظل فى سعة سماء ابداع لا يغادر ذاكرة عاشق لصحبة وان مرت وتقدمت وهو القائل( وأنا أقوم منذ أيام بترتيب مكتبي وتصفية الأوراق القديمة، عثرت على بعض الرسائل والقصاصات والإهداءات كانت مفقودة منذ الثمانينيات، من أصدقاء غابوا وأصدقاء ظلوا يكابدون الحياة بالكتابة.. منهم “نجيب محفوظ” و”صادق النيهوم” و”خليفة الفاخري” و”عبدالوهاب البياتي” و”يمنى العيد” و”عبدالوهاب المسيري” و”سلمى الجيوسي” و”أدونيس” و”محمد الماغوط” و”صلاح نيازي” و”جميل حتمل” كم كانت حروفهم جميلة، وكلماتهم أجمل..)

والهنداوي الأنسان مرة اخرى لم يخدع واقع اراده معايشة ووصف فى صدق قلم اراده ان يكون فى مشروعية دائمة ليكتب ذات وقفة :-

(عشتُ في شوارع القاهرة ودمشق وبيروت، لكنها لم تكن شوارعي، إنها شوارع نجيب محفوظ وهاني الراهب وإلياس خوري.. أنا شوارعي بنغازي وطرابلس والبيضاء، أعرف ناسها ويعرفونني.. لذلك لا مستقبل لرواية لا تنتمي لذاكرة مكان يعنيك وتعنيه.. إنها الهوية)

زر الذهاب إلى الأعلى