سعيد جويد يكتب: مخرجات التعليم بين الواقع والمأمول 

 

(فوبيا امتحانات الثانوية العامة)

• لا يختلف إثنان على حقيقة وجود علاقة وطيدة بين النهضة الحضارية -لأي بلد في العالم على وجه العموم- وبين جودة منظومتها التعليمية، منظومة التعليم بما فيها من مدخلات بشرية وتقنية، تتفاعل مع بعضها البعض سعيا للحصول على المخرجات المطلوبة فعليا، المخرجات التي يحتاجها السوق المحلي والعالمي على أرض الواقع.

مخرجات التعليم بين الماضي والحاضر

• لا أحد يستطيع أن ينكر الجهود التي تبذلها مؤسسات الدولة في ملف التعليم- وغيره من باقي الملفات الحيوية- وعملها المستمر على تطوير المناهج وطرق التدريس، وتوفير الوسائل التكنولوجية مثل السبورات الذكية والتابلت الذي أصبح في متناول كل الطلاب في مرحلة التعليم الثانوي ، وبالرغم من توفر كل هذه الأدوات والوسائل التعليمية الحديثة، يرى الكثيرون أنّ ماضينا أفضل كثيرا من حاضرنا من ناحية المستوى الأخلاقي والعلمي والثقافي والمهني للخريجين، والمخرجات التعليمية باعتبارها المؤشر الرئيسي التي يتحدد من خلاله مدى نجاح المنظومة التعليمية في تحقيق أهدافها المرجوة، فالشجرة تُعرف- كما يقولون- من ثمارها.

post

الأهمية القصوى لبناء الإنسان من الداخل

• حقق العلماء العرب في الماضي البعيد نهضة حضارية كبيرة وتقدما مذهلا في كافة العلوم والتخصصات، من خلال اكتشاف الكثير من القوانين والنظريات التي استفادت منها أوروبا وعلماء الغرب في أبحاثهم في مجال الفلسفة والرياضيات والطب، وأكبر دليل على هذا وجود كم هائل من مفردات اللغة العربية الي تشير إلى مفاهيم ومصطلحات طبية كثيرة دخلت في قواميس ومعاجم اللغات الأجنبية بصفة رسمية، هذا بالرغم من عدم وجود تابلت أو شبكة معلومات عنكبوتية أو أي وسائل تكنولوجية من هذا القبيل في ذاك الوقت، مما يؤكد الضرورة القصوى لتسليط الضوء على النهوض بالعنصر البشري بالدرجة الأولى باعتباره محور العملية التعليمية، و أهمية العمل على بناء الإنسان وتنمية قدراته ومهارته، وهذه ليست مهمة سهلة، فبناء المصانع والقصور أسهل كثيرا من بناء الإنسان وتهذيبه وتنويره، المهام التي تتطلب مواجهة الكثير من التحديات من أهمها العمل الجاد على رفع مستوى الوعي المجتمعي، وتصويب الكثير من المعتقدات والموروثات الثقافية الخاطئة الراسخة في عقول الكثيرين حول التعليم.

معتقدات وموروثات ثقافية خاطئة حول التعليم

• هناك عدد كبير من المعتقدات والموروثات الثقافية الخاطئة الشائعة في مجتمعنا المصري والتي تؤثر بالسلب على قدرة المنظومة التعليمية على تنفيذ خططها، وتحقيق أهدافها، أذكر منها مايلي:

النظرة المتدنية لمهنة التعليم

• ينظر الكثير من الطلاب وأولياء أمورهم نظرة متدنية للمعلمين نتيجة لعدة أسباب مثل الجهل بقيمة التعليم والدور الذي يلعبه المعلم في إعلاء شأن الوطن، فالعلماء هم ورثة الأنبياء، فضلا عن التأثر بالخطاب الإعلامي والأعمال الدرامية التي تعمل على تشويه صورة المعلم في أذهان المتعلمين ووجدانهم، هذا بالإضافة إلى ضعف رواتب المعلمين مما يضطرهم للعمل بعد إنتهاء اليوم الدراسي في الدروس الخصوصية وغيرها من الأعمال التي تستنفذ طاقتهم، فيؤثر ذلك سلبا على أدائهم للمهام المطلوبة منهم داخل الفصل وخارجه مثل تصحيح الواجبات والإعداد الجيد للمادة العلمية.

وضع العربة أمام الحصان

• ينظر الغالبية العظمى من الطلاب للتعليم على إنّه دواء مر، على إنّه مجرد وسيلة لاجتياز الامتحانات والحصول على شهادات جامعية تؤهلهم للعمل والحصول على وظائف في القطاع الحكومي، أوالقطاع الخاص، والتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة، وأكبر دليل على هذا عزوفهم عن القراءة والاطلاع، وتفاعل الغالبية العظمى منهم مع منصة تسريب الامتحانات المعروفة باسم شاومينج، والاعتماد الكلي على المذكرات الموجزة التي تلخص الكتب الدراسية تلخصيا مخلا بمحتوى المنهج ، والاكتفاء بالتعليم عن طريق الدروس الخصوصية، ومن ثم صارت فصول الثانوية العامة في المدارس في الأونة الأخيرة خاوية على عروشها من الطلاب، الذين يتسابقون لحجز مقاعد لهم في سناتر الدروس الخصوصية قبل بداية العام الدراسي بعدة شهور.

الاعتماد على حفظ وتلقين نظريات ومعلومات مجردة

• يبذل مدرسو الدروس الخصوصية قصارى جهدهم لمساعدة الطلاب بالدرجة الأولى على الحصول على أعلى درجات ممكنة في الامتحانات النهائية بأقل مجهود ممكن أن يبذله الطالب الذي يعتمد على حفظ وتخزين معلومات مختصرة لا يفهمها، نتيجة لعدم اهتمامه بطلب العلم، واعتماد الكثير من المدرسين غير المؤهلين على طريقة التلقين، وعدم تسليط الضوء على الجانب التطبيقي للنظريات التجريدية الموجودة بالمناهج الدراسية، وعدم الاهتمام بتنمية مهارات الطلاب على توظيف ما تعلموه في حياتهم العملية، وأكبر دليل على هذا ضعف مستوى الخريجين، وشكواهم المستمرة من صعوبة الامتحانات.

التصور الخاطىء لمواصفات الامتحان الجيد

• أثار امتحان مادة اللغة العربية منذ عدة أيام غضب واستياء الكثيرين من طلاب الثانوية العامة، وأولياء أمورهم، نتيجة لاعتماد بعض أسئلة الامتحان على قياس مهارات الفهم والإبداع لدي الطلاب، ومن ثم أخفق الطلاب الذين يعتمدون على الحفظ والتعليم العقيم طوال العام الدراسي –كما أشرت مسبقا- في الإجابة عن هذه الأسئلة التي تعمد الأساتذة المتخصصون في المركز القومي للامتحانات وضعها لقياس مهارات الفهم والتفكير ومدى الفروق الفردية بين الطلاب، حتى لا يتساوى جميع الطلاب على اختلاف مستوى تحصيلهم الدراسي في الحصول على نفس الدرجات، فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟!!

تصنيف الكليات إلى كليات في القمة وكليات في القاع

• ” أنا تعبانة طول السنة، وفي الأخر يجيبولي امتحان يدخلني كلية كحيانة، زي حقوق وتجارة وأداب.” عبارات قيلت على لسان واحدة من الطالبات للتعبير عن استيائها من صعوبة امتحان اللغة العربية،مشاعر الغضب التي كشفت النقاب عن معتقدات خاطئة يؤمن بها قطاع عريض من الناس الذين يصنفون الكليات والمعاهد التعليمية تصنيفا مبنيا على نظرة مجتمعية خاطئة لمفهوم المكانة الاجتماعية، أو “البرستيج” كما يطلقون عليه، التصنيف الذي يضع بعض الكليات في القمة وبعضها الأخر في القاع، التعليم الأكاديمي في القمة، والتعليم الفني والمهني في القاع، مما يسلط الضوء على ظاهرة اجتماعية خطيرة، أدت بدورها لظهور كثير من المشكلات مثل البطالة، وعمل الكثير من الخريجين في غير تخصصاتهم نتيجة لعدم حاجة سوق العمل إليها، مما يؤكد الضرورة القصوى للتنسيق بين احتياجات سوق العمل والمخرجات التعليمية المأمولة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى