فضل الشهادة في سبيل الله ومنازل الشهداء في دار الكرامة

بقلم د /عمروحلمى

وزارة الأوقاف

 

 

 

post

مقام الشهادة في سبيل الله , مقام اصطفاء واجتباء قال الله تعالى:{ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ}[آل عمران(140)]. فالشهادة في سبيل الله منحة ربانية, يختص بها من يشاء من عباده, وهبة إلهية, يمتن الله بها على أحب خلقه إليه بعد النبيين والصديقين , فالشهداء في المرتبة الثالثة بعد النبيين والصديقين قال الله تعالى:{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا}[النساء(69)].

 

 

والشهادة هي الصفقة الرابحة دائما وأبداً, والثمن الغالي النفيس لهذه الصفقة هو الجنة, فهنيئا للشهداء بهذه المنزلة المباركة قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[التوبة(111)]. كما روى البخاري:«أنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بنت البراء, وهي أُمُّ حارثة بن سُراقَة ـ أتتِ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نَبيَّ الله، ألا تُحدِّثُني عن حارثة ـ وكان قُتِلَ يوم بَدرٍ، أصابَهُ سهمٌ غَرْب- لا يعرف من أَي جهة رُمِيَ به, فإن كان في الجنة صَبَرتُ، وإنْ كان غير ذلك، اجتَهَدتُ عليه في البكاء؟ قال صلى الله عليه وسلم: يا أُمَّ حارثة إنها جِنانٌ في الجنَّة، وإنَّ ابنَكِ أصاب الفِردَوسَ الأعْلَى». والشهادة في سبيل الله مبناها على الإخلاص, وصدق النية مع الله, فقد يبلغ المؤمن بإخلاصه وصدقه مع الله مرتبة الشهادة حتى وإن مات على فراشه. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في«صحيح مسلم»:« مَنْ سأَلَ اللَّه تَعَالَى الشَّهَادةَ بِصِدْقٍ بلَّغهُ اللهُ منَازِلَ الشُّهَداءِ وإنْ ماتَ على فِراشِهِ».

 

فالشهيد الحق: هو من أخلص لله وضحّى في سبيله وبذل نفسه وجاد بها في سبيل إعلاء كلمة الله, والدفاع عن أرضه, ورفع راية وطنه. «سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ: يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الله؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله» متفق عليه. والشهيد الحق: هو الذي يأبي الدنية ويرفض المذلة والهوان ويقاوم من يستولي على ماله أو متاعه. كما في «صحيح مسلم»:« جاء رجُلٌ إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رسولَ اللَّه أَرأَيت إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلا تُعْطِهِ مالكَ قَالَ: أَرأَيْتَ إنْ قَاتلني؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرأَيت إنْ قَتلَني؟ قَالَ: فَأنْت شَهيدٌ قَالَ: أَرأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: هُوَ فِي النَّارِ».

 

والشهيد الحق : هو من يقاتل تحت لواء الدولة مع ولي الأمر , وولي الأمر هو الحاكم أو السلطان أو الرئيس, فالشهيد يكون جندياً في الجيش أو الشرطة يدافع عن الوطن والعرض والمال. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي بإسناد صحيح«منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ». وأما الذي ينسلخ عن ولي الأمر وينشق عنه, ويخرج عن طاعته, ويخضع تحت تأثير حزب أو جماعة أو تنظيم معادي للدولة فيثير الفتن, ويحيق المؤامرات ضد الوطن, ويعتدي على المنشآت العامة والخاصة, ويقتل الأبرياء, ويروّع الآمنين, فليس ما يفعله يعد جهاداً في سبيل الله, بل هو خروج على شرع الله, وإذا قتل فليس بشهيد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في«صحيح مسلم»: «مَنْ خَرَجَ مِن الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الجماعةَ فماتَ ماتَ مِيتةً جَاهلية، وَمَنْ قَاتلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أو يَدْعُو إِلى عَصبَةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبَة، فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِليَّةٌ، وَمَن خَرَجَ عَلى أُمَّتي يَضرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَها، لا يَتَحَاشي مِنْ مؤمِنها، ولا يَفي بِعَهدِ ذِي عَهدِها، فَلَيْسَ مِني، وَلَسْتُ منه».

 

مكانة الشهيد عند الله

أولا: الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون, فليسوا أمواتاً . قال الله تعالى:{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169)فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(170)يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ(171)}[آل عمران(169- 171)] نعم إنهم أحياء وليسوا أمواتا, ومن ثم فهم فرحون بما أعطاهم الله من فضله, ويستبشرون بإخوانهم القادمين عليهم, وذلك لحبهم إنزالهم هذه المنزلة التي أنزلهم الله إياها فلا حزن ولا غم ولا هم, بل استبشار وفضل ونعيم, والله إنها للحياة بحق وإنه للرزق بحق.

 

ثانيا: موت الشهيد من أيسر الميتات، وأفضلها وأعلاها, فالشهيد يخفف عنه مس الموت حتى إنه لا يجد من ألمه إلا كما يجد أحدنا من مس القرصة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي بإسناد صحيح:«مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ» فمعنى الحديث : أن المجاهد في سبيل الله إذا أراد الله به الكرامة فقتل في سبيله شهيدا، فإنه لا يجد من ألم القتل ومعالجة الموت إلا كما يجد أحدنا من ألم القرصة، والقرص كما في«القاموس المحيط»:«أخْذُكَ لَحْمَ الإِنْسَانِ بإصْبعَيْكَ حتى تُؤْلِمَهُ». وقيل:«مثل عض النملة». قال ابن القيم في«إغاثة اللهفان»: «لا يجد الشهيد من الألم إلا مثل ألم القرصة، فليس في قتل الشهيد مصيبة زائدة على ما هو معتاد لبنى آدم ؛ فمن عد مصيبة هذا القتل أعظم من مصيبة الموت على الفراش : فهو جاهل، بل موت الشهيد من أيسر الميتات، وأفضلها وأعلاها».

 

ثالثا: الشهيد وحده هو الذي يحب أن يرجع إلى الدنيا, فيقتل في سبيل الله مرات ومرات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :«ما أحَدٌ يدخلُ الجنَّةَ، يحبُّ أن يرجِعَ إلى الدُّنيا ولَهُ ما علَى الأرضِ مِن شيءٍ إلَّا الشَّهيدُ يتمنَّى أن يرجعَ إلى الدُّنيا فيُقتلَ عَشرَ مرَّاتٍ ، لما يَرى منَ الكَرامةِ» رواه البخاري.

 

رابعاً: يتميز الشهيد يوم القيامة بهيئة خاصة دون غيره, كما تنبعث من جسده ريح طيبة تتطاول لها الأعناق وتنحني لها الهامات إجلالا واحتراماً. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ – أي يجرح – أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ – يجري متفجرا أي كثيرا – دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ». رواه مسلم.

 

خامساً: الشهيد يتميز بالنجاة من فتنة القبر. سُئِلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلَّا الشَّهِيدَ؟ قَالَ: كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً » رواه النسائي بإسناد حسن. سادساً: الشهداء أول من يقضى بينهم يوم القيامة مع النبيين, فيا له من شرف ما بعده شرف. قال الله تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الزمر(69)]. سابعا: إكرام الله للشهيد بمنح عظيمة وبشفاعة مخصوصة له في أهل بيته.

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ سَبْعُ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ, ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ, وَيُحَلّى حِلْيَةَ الإِيْمَان, ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ, ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ, ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها, ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه», رواه الترمذي بإسناد صحيح.

 

فعندما يشفع كل شهيد في سبعين من أهله يكون الجميع بمشيئة الله في الجنة. ثامناً : ضمان الله للشهيد إحدى الحُسْنَيَيْن: النصر والغنيمة أو الشهادة والجنة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري:« انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ »- أي سارع بثوابه وحسن جزائه.

 

فلأجل هذه الكرامة الربانية للشهداء, ولعظم ما أعد الله لهم من الجزاء,رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن لا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله, وما منعه من الخروج في كل سرية إلا خشية أن يشق على أصحابه, وكان صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يقتل شهيداً في سبيل الله مرات متعددة.

زر الذهاب إلى الأعلى