منارات في الظلام  للأسير حسن نعمان الفطافطة “أيام فلسطينية… لمحات من آلام الإنسان الفلسطيني”

 

سليم النجار

توطئة
حسن فطافطة كاتب وروائي، ولد في بلدة ترقوميا- الخليل في العام ١٩٦١، حاصل على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت عام ١٩٨٥.
عضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين.
اعتقل عدَّة مرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، حيث أمضى ما مجموعه ٢٤ عاماً في المعتقلات الإسرائيلية منذ العام (١٩٨٧- ولغاية العام ٢٠٢١).
أصدر العديد من القصص القصيرة والمقالات عبر الصحف والمجلات الفلسطينية.
المجموعة القصصية “منارات في الظلام” للأسير المحرَّر القاص حسن نعمان الفطافطة الصادرة العام ٢٠٢١- مطبعة نيسان، مجموعة ثريَّة وحافلة بحالات إنسانيَّة كثيرة ومهمة وكثيفة ولها قدر كبير من الخصوصيَّة، فهي تقارب حالات عديدة من الألم والمعاناة والتهميش تحت وطأة المعتقلات الإسرائيلية؛ تطوف القصص مع الأحلام وتقارب الأوجاع الناتجة عمَّا هو يومي من التفاصيل الصغيرة، مثل التعرُّض للتعذيب الجسدي من قبل السجَّان الصهيوني، وحرمان الأسير الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانيَّة.
من النقاط البارزة في سرد القصص للأسرى الفلسطينيين اعتنائُهم بالتفاصيل اليوميَّة والحياتيَّة، مثل لحظة الاعتقال،والمنازل والبيوت التي تهدمها سلطات الاحتلال، بكل تفاصيلها، المواعيد والطقوس الحياتيَّة المعتادة، تفاصيل الاعتقال والقراءة والتعلُّم والبحث عن طاقة أمل للحرية. وتبدو التفاصيل كلها في إطار طرح نموذج إنسان يعاني بشكل دائم ولديه قضيته الوطنية وأزماتها، أي أنَّها ليست مجانيَّة وإنَّما تبدو أشبه بمنح لدماء ولحمٍ لعظام الفكرة أو القضية التي يتمحور حولها السرد ويرتكز عليها، فهي ليست لذاتها مثل ما هو متحقِّق في هذا المشهد: (مع حكم المؤبَّد بات عليه أن يعيد حساباته مع كل الخطط والمشاريع التي نسجها في ذهنه على مدار عامين، منتظراً أن ينفِّذها مع خروجه من السجن إلى فضاء الحرية ص٧٥)، بل لتكون ملامح حياة كاملة للشخصية أو للنموذج الإنساني الذي يقدِّمه السرد ويقارب إشكالاته، وهي نماذج إنسانية تتنوع بين الرجال والإناث، فليس هناك هيمنةً لنوعٍ أو انحيازاً له في السرد، بل يأتي انحيازاً للإنسان بشكل عام. وفي بعض القصص يقارب السرد أثر الاعتقال على الإنسان، ويقارب حالات من التشظِّي والتفكُّك أو حالات من القهر. وتأتي بعض المشاهد انعكاساً لحال من الامتزاج بين المأساة والألم لإنتاج حالة من الغرائبيَّة، كما نجدها في هذا المشهد: (إحدى وعشرون عاماً ونصف وهو يدقُّ جدار الأسر ويناطح صلف السجَّان، عقدين من حياة أبي يوسف قد تحتاج منَّا لعشرات الدقائق فحسب كي نَخطُّها على ورقةٍ بيضاء أو نصنع منها خبراً عابراً في الصحيفة ص٥٧)، هنا نجد كافة تداعيات الاعتقال مرصودة في إطار سرد يحاول التخفيف من حدَّة عبرةٍ إنسانية، وهي تداعيات كثيرة وأشبه بزلزال يواجهه الإنسان بصمودٍ كبير، ولكن ما يعنينا هنا هو ذلك الحال من الفنتازيا التي تجعل المعتقل يوقف العمر ويثبته عند نقطةٍ معينة، وتأتي هذه الرؤية القصصية في هذه القصة “أسامة ابو العسل… ومعركة استعادة ملامح عائلته”: (وحتى فرحته بزواج أخته تحوَّلت إلى غصَّة في القلب وهو يتخيل مشهد زفَّتها دون وجوده، فيما عيونه ترنو نحو الفضاء المنبعث من فوَّهة شباكِ غرفته التي كان يعيش فيها تلك اللحظة في سجن نفحة، مخاطباً الريح لعلَّه ينجح في حمل مشاعر المحبَّة والشوق لأختهِ في يوم زفافها ص٢٠٠)، هذه القصة تشكِّلُ نموذجاً لتوظيف الألم في سرده في المجموعة بشكل عام، من حيث الاندماج في بُنية القصَّة وأن يكون منتجاً للدلالة أو يمنح أفقاً رمزيَّاً أو يتعاضد مع العلامات الأخرى لإنتاج الدلالة، كما نجدها في قصة “وائل الجاغوب… لم يستجب لطلب القاضي فحصد المؤبد”: (في أن يأتي ذلك اليوم الذي تتمكن فيه من احتضان فلذة كبدها في رحاب بيتهم وهو يتنسم هواء نابلس العليل الذي يرد الروح ص١٦٨)، فالألم في هذه القصة هو صورةٌ من صورِ الفانتازيا الفلسطينية، والتي تبدو نسقاً عامَّاً وليست مجرد التماعات طارئة، بل هي حال من العبثيَّة والغرابة المتناسية مع غرائبيَّة الحياة والواقع الفلسطيني، كما هو واضح في المشهد الآتي: (بعد شهرٍ من العزل أخذوا يخرجونه من الزنزانة وهو مكبَّل القدمين لمدة ساعة يوميَّاً يتمشَّى في ساحة صغيرة مسيَّجة أمام الزنازين ص٢٢٦)، هذا المشهد أشبه بحالات القفز والرقص بين معاني الحياة وعذابات الأسير وما يصطدم بالإنسان بشكل دائمٍ أو يعوَّقه ويحدِّد حريَّاته أو يقلِّص حقوقه البديهيَّة.
وفي قصة “فتحة السياج” نجد هنا مزج بين الوحدات الثابت منها والمتغير، ولكل منهما وظيفته الفنيَّة التي تنتج قيماً إنسانيَّة ودلاليَّة معاً، كما هو حاضرٌ في الحوار الآتي: (- لن أختار أي منهما لأنَّني لستُ مضَّطراً للاختيار.
– يا سيدي لنفترض أنَّ شخصاً ما عليه أن يختار بينهما فماذا تعتقد أنَّه سيختار؟
– من المؤكَّد أنَّه سيختار المؤبَّد.
– وإذا خُيِّر بين المؤبَّد والإبعاد فماذا يختار؟
– من المرجح أنه سيختار الإبعاد ص٢٧٩)، يسهم هذا الحوار في تشكيل ما يسمى بذاكرةِ النص، كما أنَّ الوحدة الثابتة أو المكرَّرة تنتج ما يشبه القافية في السرد، وهي قيم إنسانيَّة تصنع رؤيةً سرديَّةً لمعاناة الأسير الفلسطيني وانهيار للقيم التي تجرف الإنسان أمامها. وفي هذه القصة قدرٌ كبيرٌ من التجريب البنائي، ويتأسس السرد على حال من التحرُّر والانطلاق والاستدعاء الحر من الذاكرة.
والحقيقة هي مجموعة على قدرٍ كبيرٍ من الأهميَّة والثراء والاختلاف والمغايرة، وحافلة بالواقعيَّة التي تعرِّي واقعنا الأليم، ولها لغتها الخاصَّة، وتحتاج إلى مزيد من التأمُّل والقراءة والنقد.

زر الذهاب إلى الأعلى