أجراس الخطر

بقلم: سعيد جويد

شهد مجتمعنا الشرقي في الأونة الأخيرة عدة مؤشرات في غاية الخطورة، مؤشرات واضحة للقاصي والداني ممن يتصفحون الجرائد ويتابعون صفحات الحوادث، حوادث القتل والسرقة والزنا والشبكات المنافية للأداب وجرائم أخرى جديدة وغريبة تماما على مجتمعنا، أما على المستوى الثقافي الإبداعي- الذي يراه الكثيرون صورة تعكس التغيير الذي طرأ على المجتمع وما فيه من متغيرات- فلم نعد نرى في وقتنا الراهن أعمالا فنية رفيعة المستوى تهذب النفس وترتقي بالمشاعر، على غرار الأعمال القديمة الخالدة العالقة بذاكرة الشعب وضمير الأمة، ما نشهده الآن نوعا من السطحية والتدهور الثقافي– تدهور يصل لدرجة الانحطاط في بعض الأحيان، وذلك في كافة المجالات الفنية الدراما والموسيقى والشعر والأدب؛ ففي هذا الوقت من العام الماضي شغل قرار نقابة المهن الموسيقية بحظر أغاني المهرجانات- ولا سيما على المستوى الرسمي- الرأي العام ، وأعرب الفنان “هاني شاكر” نقيب المهن الموسيقية عن استيائه الشديد، وأثار موقفه الرافض لهذه النوعية من الأغاني ضجة وجدلا كبيرا على الساحة الفنية والشعبية ما بين مؤيد ومعارض له، وعندما علمت أنّ هذه الأغاني تحقق هذا الكم الهائل من المشاهدات على اليوتيوب، دفعني الفضول للبحث عن بعض كلماتها، وانتابني شعور صادم، أسلوب ركيك وكلمات بذيئة أذكر منها على سبيل المثال: ” اصحى يالي أمك صحبتي، خالتك كمان كانت فردتي، وأختك بترقص على مطوتي أحسن من أيُها سرسجي”، أفكار شيطانية مبتذلة وأغاني هابطة تحقق ملايين المشاهدات، أرقاما قياسية لم تحققها أي قناة أخرى سوى قناة اليوتيوب الجديدة التي أطلقوا عليها اسم “أفلام قصيرة”(أفلام أحمد ونهى) التي تبث مقاطع فيديو لشاب وسيدة يقومان بأداء مشاهد تمثيلية مبتذلة، والجدير بالذكر أنّ هذه المشاهد التمثيلية تحمل في مضمونها نفس المعاني والدلالات التي تعبر أغاني المهرجانات عنها، مضمون شيطاني مذهبه الإغواء وإثارة الغرائز الجنسية من خلال أدوات وأساليب رخيصة وقصص عن زنا المحارم وخيانة الزوج لزوجه وقصص أخرى عن الدياثة والتعدي على حرمة الجيران والأصدقاء وغيرها من الأفكار الشاذة الدخيلة على مجتمعنا وتقاليدنا وأصالتنا، أفكار ماسونية مستوردة يصدرها أولياء الطاغوت بسرعة البرق لأبناء أدم وحواء في شتى بقاع العالم، خاصة بعد ظهور الفضائيات والشبكات العنكبوتية (النت) التي ساعدت على انتشار هذه الصناعة من أفلام الجنس (البورنو) وتفشيها وسيطرتها على عقول المشاهدين وتغييب وعيهم، بل وتغيير سلوكياتهم، حيث أنّ الجهل والفراغ الثقافي ساعد إلى حد كبير على أن يحجب عنهم مصباح العلم ونور الحق والمعرفة، وجعل منهم فريسة سهلة لمحاولات الغزو الثقافي- أو بالأحرى الوباء الثقافي إن جاز التعبير- والاستجابة لمكائد الشيطان التي تزين المعاصي وتخلط الأوراق وتلبس الحق بالباطل فتجعل من البطش والطغيان والهيمنة قوة وبطولة، ومن الكذب والمكر فطنة وذكاء، ومن التكبر والغرور ثقة بالنفس، ومن العري والابتذال فنا رفيعا؛ وهكذا يؤدي الأبالسة دورهم على الأرض، الدور الذي ذكره الله تعالى في آيات سورة الأعراف الكريمة:” قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ “؛ ومن ثم نستطيع القول بأنّ المعنى الحقيقي للحرية يكمن في صفاء النفس وإخلاصها في عبادة الله وقدرتها على كبح جماح الشهوات والتحرر من الجاهلية وعبودية الشيطان، الحرية لا تعني الفجور والتعري والتمرد على الفطرة والتحرر من قيم المجتمع وتقاليده الأصيلة؛ فنحن في وقتنا الراهن في حاجة شديدة لوقفة للتأمل والتفكير في رؤية شاملة نبتغي من خلالها بناء الإنسان وتعليمه وتثقيفه وتنويره والتصدي للجهل والفقر والمرض، نحن في حاجة ماسة للحفاظ على التقاليد الأصيلة والحفاظ على التراث الثقافي الشرقي، الحفاظ على الهوية ولغتنا العربية الجميلة، وفي نفس الوقت تنمية قدراتنا الإبداعية، ومواكبة العلوم الحديثة، والاستفادة من تطور وسائل التواصل الاجتماعي والتقدم التكنولوجي المذهل؛ وتوظيفه فيما يرضي الله وما يفيد المجتمع، وغرس بذور الفضيلة والوازع الديني، وذلك ليس بالشىء الهين، فالمعصية أصبحت متاحة الآن، وفي متناول الجميع والأمر صار سهلا بسيطا ولايتطلب منك سوى هاتفا خلويا، وللإشتراك في القناة فيكفي تفعيل زر الجرس، أجراس الخطر التي دقت أبواب العالم الحديث، في كافة أرجاء الأرض.

قد تكون صورة لـ ‏‏شخص واحد‏ و‏لحية‏‏

زر الذهاب إلى الأعلى