جبرييلا ميسترال

عبير ضاهر

 

شعر بنكهة الصلاة

 

جبرييلا ميسترال الشاعرة التشيلية أول كاتب على الإطلاق يفوز بجائزة نوبل للآداب من أمريكا اللاتينية لعام 1945

post

 

أصدقاء طفولتها الزهور والطيور كانت تتحديث إليهم وهى طفلة تفترش العشب فى الحديقة التى أسسها لها والدها قبل أن يقرر ترك أسرته بلا رجعة فتعيل نفسها وأمها حيث عملت مساعدة لمدرس وهى أبنة خمسة عشرة عاما وفى أثناء ذلك عملت على تعليم وتثقيف نفسها لتحصل على شهادة تدريس أهلّتها للعمل مدرسة متنقلة بين عدد من المدارس وعُينت مديرة مدرسة سينتاجو الثانوية ذائعة الشهرة بين كل مدارس تشيلى وقد أهتمت من صغرها بالشعر والأدب ويرجع لنشأتها فى الريف والذى قضت به كل طفولتها أثرا كبيرا فى مشوارها الشعرى والذى شكلت مصدر إلهام فى توهج الخيال وتداعى الصور وضبط الإيقاع وإختيار المفردات والقوافى

 

أكملت تعليمها بإحدى مدارس قرية مونتى جراندى التى ولدت بها وبعد أن بدأت فى إرسال قصائدها إلى كتّاب كبار فى أمريكا اللاتينية والتى تم نشرها بالفعل رأت أن تغير أسمها من لوسيلا غودوى الكاياجا أسمها الحقيقى والذى يرتبط بمسيرتها المهنية كمعلمة سابقة لتختار أخر يلازم مشوارها كشاعرة ذاع صيتها فيما بعد فأختارت أسما مستعارا جبريلا وهذا من باب التكريم لأسم الشاعر الإيطالى غبريال ديلا أنونزيو أما ميسترال فمن أسم الشاعر الفرنسى فريدريك ميسترال

 

من قصيدتها :الوردة

الكنز الذى فى قلب الوردة

هو كنز قلبك أنت

أنثره كما تفعل الوردة

وإلا أصابك الشقاء

أنثره فى أغنية

أو فى رغبة حب عظيمة

وقد بدأت بكتابة المقالات ونشرها فى الصحف بصورة منتظمة

تزامنا مع عملها فى سلك التدريس والذى ظلت تترقى إلى أن وصلت لمركزا مرموقا

 

ولجدراتها وماهرتها فى عملها العملى والإدارى إستعان بها وزير التعليم بالمكسيك فى إصلاح التعليم فى بلاده عام 1922 وفى العام التالى 1923 أصدرت أول مجموعة شعرية لها بعنوان (الرقة) تتحدث فيه عن الطفولة وبعد إنقضاء عامين فى المكسيك فى مهمتها التعليمية التى كلفت بها سافرت فى جولة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ثم إلى أوربا

عادت بعد ثلاث سنوات إلى بلدها حيث تقاعدت رسميا من
التعليم لتلقى بعدها دعوة لتمثيل أمريكا اللاتينية فى مؤسسة التعاون الفكرى التابعة لعصبة الأمم المتحدة فانتقلت إلى باريس وعملت فى الصحافة ثم أتجهت إلى إلقاء المحاضرات فى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية بالإضافة للمشاركة فى المؤتمرات المتعلقة بالتعليم والجميعات الراعية لحقوق النساء والأطفال لتقوم بجولات متعددة فى الكاريبى والبرازيل والأرجنتين والأورغوى وبلدان أخرى

 

نشرت جبريلا مئات المقالات فى الصحف والمجلات وفى عام 1938صدرت مجموعة شعرية بعنوان (تالا) والتى تناولت فى قصائد المجموعة حفاوتها بالتقاليد الشعبية لأمريكا الجنوبية ودول البحر المتوسط الأوربية

 

لم تكن جبرييلا متزوجة ولم ترزق بأطفال فهى كانت غير منجبة ففى عمر الواحدة والعشرين أحبت شخصا حبا جارفا وكان عاملا فى السكة الحديد وقد أتهم بالإختلاس ولم يتمكن من إثبات برائته فقرر أن ينهى حياته فأطلق النار على نفسه أعقبه حزن هائل فى قلب جبريلا عليه حتى أنها عزفت عن الزواج من بعده وألقت بنفسها فى العمل وعمدت إلى كتابة الشعر لتتخفف من ألام الفقد

 

فى رثاء حبيبها ..

ألن أراه أبدا بعد؟!..

حسبى أن نكون معا فى الربيع أوالشتاء

وأن تكون يداى أكثر لطفا من النسيم

وهما تطوقان عنقه المغطى بالدماء

 

وكما لو أنها إستبدلت حب الأطفال بعد غياب الحبيب فخصت الأطفال بالرعاية خاصة أطفال السيدات العاملات اللائى لايجدن الوقت الكافى لرعايتهم فعلتها مدفوعة بمحبتهم وتعلقها بهم فقررت أن تتبنى طفلا ولكنه مات لاحقا وكانت تلك صدمة أخرى عصفت بقلبها وكيانها حتى وأن صديقها الكاتب النمساوى وزوجته اللذان قررا يرحلا منتحرين فى هدوء بالسم ولأسباب غامضة وكأنه الحزن لم يرتوى من قلبها فإذا بأبن أخ لها يلحق بقاطرة الموت السريعة ويقتل نفسه ليرحل هو الأخر لتحكم الأحزان قبضتها

 

لم تذق مرارة فقدان الأحبة فقط فالفقر هو الأخر أذاقها كأسه المر ففى عام 1914 كانت قد فازت بجائزة شعرية على أن تحضر أمسية إختيرت لتلقى بعضا من قصائدها على الحضور فتخلفت ولم تذهب لأنها لم تكن تمتلك ثوبا مناسبا ترتديه حينها وقد عكست أشعارها فصول من حياتها وتجاربها الذاتية الأليمة المثقلة بالأوجاع عن الأمومة والعقم و والطبيعة والأطفال والحب والموت والفن ومن عناوين قصائدها: قصيدة لتشيلى , غيوم بيضاء, الحنان , الكآبة , الوردة ,لاغار,تالا, وصف موجز لتشيلى , الوردة )

 

كما عينت سفيرة حرة ممثلة للثقافة الأمريكية اللاتينية ثم قنصلا فخريا لتشيلى فى عدة دول منها أمريكا وأسبانيا والبرتغال

وتناولت فى بعض أشعارها الجانب الدينى فتحدثت عن إيمانها كمسيحية وجاءت القصيدة الأخيرة لها متحدثة عن اليقين فى عفو الله ومغفرته

 

وصفت قصائدها أن أغلبها تحمل نكهة الصلاة كما أطلق عليها لقب الملكة الروحية لأمريكا اللاتينية وأمتاز شعرها بالعمق والرقة والجمال

 

وتكريما وتخليدا لأسمها تأسست جائزة جبريلا ميسترال فى عام 1979

ولدت جبريلا بمدينة فيكونيا الشمالية بتشيلى فى عام 1889 وتوفيت فى 1957

نقش على قبرها عبارة تعود إليها وقد تركت الأثركبيرا فى قرائها إذ قالت: كما الروح للجسد هو الفن للناس

زر الذهاب إلى الأعلى