شَبَحِي يُطَارٍدُنِي

بقلم حسين الواحي

 

وقفتُ أحمل سلاحًا باروديًا قديمًا، وجدتنى أدخل فيه رصاصةً وأصوبه نحو جسمٍ أسودٍ ضخمٍ يقف أمامي كأنه شبحٌ أو تمثالٌ قبيحٌ، لكنه كان يبتسم ابتسامةً صفراءَ تحملُ من العباراتِ ما يغيظنى ويثير حفيظتى.. أدخلتُ أصبعي في فتحة الزناد مستعدًا للضغط عليه مطلقًا الرصاصةَ الوحيدةَ في وجه ذاك الشبح القبيح، والمدهش أنه كان يشبهنى، بل هو يماثلني، لا بل هو أنا. نعم كان أنا.

يا لحيرتي، أغيظُنى ؟ إذن هل أقتُلُني؟ أم أتركني أغيظني؟ في لحظةٍ تملكني فيها الغضب، قررتُ أن أقتلني.. أطلقتُ الرصاصةَ بكل القوة، وبكل الغلظة، وبكل الغيظ، فخرجَت وكأنها ألف رصاصة، بل خرجت وكأنها طلقات جيشٍ كاملٍ يحارب جيشًا كاملًا.

خرجت الرصاصةُ ويا ليتها ما خرجت، فما إن استقرت في أعماقِ قلبي حتى شعرتُ بزلزالٍ في جسمي كلِه يهز أركانى .. شعرتُ عندها وكأني أجمةً عريقةً صدر لها قرار بالاقتلاع فجاءت معداتُ الحكومةِ الثقيلةِ تضربُ جذورَها وتزلزلُ سيقانها..

post

استيقظتُ فجأةً على أصواتِ فروعي تهتز من قوة الضربات الموجهة لجذوري، حاولت أن ألملمَ أجزائي ورحتُ أتلمسُ أطرافي أبحثُ عنهم لأتأكدَ من بقائي على قيد الحياة.. ركضتُ إلى شرفة غرفتى التي تطل على مدرسة ابتدائية تعودت أن أستيقظَ على دقات طبول طابورها الصباحي، وقفتُ في الشرفة أحاول أن أملأ قفصي الصدري بهواء جديد، فأخذت شهيقًا عميقًا ممزوجًا بشهقة بكاءٍ صادقٍ. لا أدرى بكيتُ فرحةً بعودتى للحياة أم حزنًا للرجوع إليها، ولا زال يطاردني سؤالٌ صارخٌ في ذهني: لماذا كنتُ أغيظُني في الحلم ؟ ولماذا كنتُ بتلك البشاعة التي دفعتني لقتلي والخلاص مني ؟ في تلك اللحظة، وفي مدة الشهيق العميق والتفكير الدقيق في السؤال والتحقيق ..

لم أجد طابورًا في المدرسة، بل إن فناءها خالٍٍ تمامًا من التلاميذ، كما إني لا أكاد أرى أحدًا في شارعنا الذي اعتاد أن يكتظ بالأطفال والكبار والنساء يركضون لمدارسهم وأعمالهم وأسواقهم في هذه الساعة المبكرة من اليوم.. دققتُ النظر .. حاولت إغماض عيني وإعادة فتحهما.. لا جدوى.. توجهت إلى الحوض لأغسل وجهي، وإذا بي أجده مزدحمًا بعبوات المنظفات الصناعية وحاويات المناديل ورشاشات أنواع المعقمات المختلفة، وحاوية الكمامات والقفازات.. أدوات وأجهزة.. لفافات وكمامات..

تلك هي ملامح الحياة في زمن الكورونا.. ما إن انتهيتُ من غسل وجهي حتى وقعت عيني على المرآة.. فرأيتُ ذاك الشبحَ الذي قتلتُه في المنام يحملقُ في وجهي محاولًا إثارةَ حفيظتى مرةً أخرى .. عندها صرختُ فيه بأعلى صوتى: أنت لستَ أنا.. فمن اليوم لن أكون إلا أنا.. فحاولَ الصمودَ وواصلتُ الصراخ .. صراخٌ ..وصمودٌ.. حتى اختفى.. فاستيقظتُ أخيرًا وأنا أتمتم: لا لا لن أكون شبحًا .. لن أكون شبحًا !

زر الذهاب إلى الأعلى