د.سحر السيد.تكتب..أكذوبة الخلافة الإسلامية العثمانية

 

في مقدمة ابن خلدون يقول المفكر العربي، إن “التأريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ يوقفنا على أحوال الماضي من الأمم”، فلم يكن ابن خلدون وحده أوّل المحذرين من توسع الدولة العثمانية، فقد ظلت فترة الحكم العثماني للمنطقة العربية مسار خلاف بين العرب والأتراك، حيث يرى العرب أنها فترة دموية كاحله الظلمة استنزفت لقرون ثروات العرب وأفقرت شعوبهم، فيما يتمسك الأتراك باعتبارها “خلافة إسلامية مفترى عليها حيث حمت المنطقة من الاستعمار، واتسمت بالتسامح الديني والازدهار والتنمية”، فما حقيقة حكم العثمانيين للمنطقة العربية وخصوصاً مصر.

 

ففي السادس والعشرين من يناير عام 1517م، بدأت مصر رسمياً رحلتها في كنف الدولة العثمانية بإعدام السلطان طومان باي، ووفق رواية المؤرخين ممن عاصروا تلك الفترة فقد كان ذلك اليوم “نكبة وحسرة” علي مصر، حسب رواية المؤرخ محمد بن إياس في كتابه “بدائع الزهور في وقائع الدهور”، فقد وقعت في القاهرة المصيبة العظمى التي لم يُسمع بمثلها من قبل، ولم يقاسى أهل مصر شدة مثل هذه، واصفاً ما شهدته البلاد في الأيام التي تلت الاحتلال العثماني، بالقول ” انتهك سليم الأول حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتّم أطفالها وأسر رجالها وبدّد أحوالها”.

 

post

دخل سليم الأول مدينة القاهرة في موكب حافل يتقدمه الخليفة العباسي والقضاة، وقد أحاطت به جنوده الذين امتلأت بهم شوارع القاهرة، يحملون الرايات الحمراء شعار الدولة العثمانية، وكتب على بعضها “إنا فتحنا لك فتحا مبينا”، وفي بعضها “نصر من الله وفتح قريب”، وبدأت عملية نهب مصر فور دخول سليم الأول القاهرة، فقد هجمت قواته على المنازل وطردت أصحابها ليسكنوا فيها، وهجموا على الجوامع واقتحموا الجامع الأزهر، وجامع أحمد بن طولون ومدارس القاهرة وأضرموا النيران في بعضها، وقاموا بقتل الكثير من الأهالي الذين امتلأت بجثثهم شوارع القاهرة ومصر القديمة، ويقدر عددهم بحوالي 10.000 شخص، وتم نهب العثمانيين الغلال لإطعام خيولهم، ودخلوا القرى وسرقوا مواشي وطيور الفلاحين، ويحكي “ابن إياس” الذي عاصر الأحداث أن العساكر العثمانيين كانوا جوعى وشرهين، وكانوا خشني الطباع وقليلي الدين وكانوا غير منظمين، وأنهم كانوا يوقفون الناس في الشوارع ويقايضون الأفراد على حياتهم مقابل مبالغ مالية يحددوها، وأضاف: وصار أهل مصر تحت أسرهم وكأن انفتح للعثمانيين كنوز الأرض، من نهب قماش وسلاح وبغال وعبيد وغير ذلك من كل شيء فاخر، كما فك العثمانيون رخام قاعات القلعة وبيوت القاهرة ونهبوا الكتب والمخطوطات الموجودة في المدارس، كما يقول ابن إياس “مع استمرار مقاومة المماليك والمصريين للعثمانيين، وزيادة بطش الأخيرين، هرب المصريون للاختباء والحماية داخل المساجد، ولم يتردد العثمانيون في اقتحامها، بل قتلوهم بداخلها”، وتابع “إذا هرب مصري منهم إلى المئذنة صعدوا إليها وألقوه منها إلى الأرض، إذ كانت المساجد مستباحة”، وقد أرجع الدسوقي تلك الوحشية إلى، “إحساس الأتراك بالدونية الحضارية أمام الشعب المصري، فهم ليسوا أهل حضارة ولا يملكون موروثاً ثقافياً، وهو ما تجلى في عدم تقديمهم شيئاً للمصريين بعد نحو 3 قرون من حكمهم، كما قبضوا على الصناع والحرفيين والتجار والموظفين وغيرهم مسلمين ومسيحيين، وعدد من أعيان مصر ومشايخها وفقهاها، ورحلوهم إلى الإسكندرية ونقلوهم بالمراكب إلى القسطنطينية، كما غرقت بعض المراكب في الطريق، وكان منها مركب محمل ب400 مصري من بينهم جماعة من أعيان مصر، فلم يقاسي أهل مصر شدة من قديم الزمان أعظم من هذه الشدة، ولا سمعت بمثلها في التواريخ القديمة.

 

ظل سليم الأول في مصر حوالي 18 شهراً، قضى تلك الفترة في ملذاته من شرب الخمر ومعاشرة الغلمان المرد، على حد قول ابن إياس، وفي النهاية جمع العثمانيون عدد كبير من سكان القاهرة وربطوهم بالحبال من أعناقهم وساقوهم قسراً ليقوموا بسحب المكاحل النحاسية (المدافع)، التي كانت موجودة في قلعة الجبل ليضعوها على مراكب في النيل لنقلها إلى إسطنبول، ويقال أن سليم الأول عندما خرج من مصر كان معه ألف جمل محملين بالذهب والفضة والتحف والرخام ومنهوبات كثيرة جمعها في فترة إقامته بالقاهرة.

 

ورغم سلسال الدم والمذابح التي ارتكبت في عهد الدولة العثمانية، لا يزال يحاول البعض الدفاع عن حكم الحقبة العثمانية للدول العربية، زاعمين أنها تميّزت بالتسامح الديني، وازدهرت فيها القطاعات المختلفة، فضلاً عن أنها أحالت دون استعمار البلدان العربية من قِبل الدول الأجنبية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى