الكسب الحلال

بقلم أ.د. عطية لاشين
أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

خلق الله الإنسان وسخر له ما في السماوات والأرض جميعا منه ،وأوجد له مقومات حياته ، وأمره بالسعي في الأرض وضرب أكبادها ابتغاء فضل الله والتماسا لرزقه بعمله وكده وسعيه.

سئل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن أطيب الكسب؟ فقال صلى الله عليه وسلم :”عمل الرجل بيده ،وكل بيع مبرور”.
وأمرنا المولى عز وجل بالأكل من الطيبات الحلال والإنفاق من المال الحلال والابتعاد عن الكسب الحرام وأن الصدقة من المال الحرام غير مقبولة٠
فبشأن الأكل من الطيبات قال الله تعالى :(يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )٠
وتدبر أيها القارئ الكريم بدء الآية وختامها ففي بدايتها الأمر بالأكل من الطيبات والأمر عند علماء الأصول للوجوب وأما ختامها ففيها نهي عن اتباع خطوات الشيطان والنهي يفيد التحريم مما يدل على أن عدم الأكل من الطيبات الحلال أثر من أثار اتباع خطوات الشيطان ونحن مأمورون بمخلفته منهيون عن اتباع خطواته ووسوسته وتزيينه السوء لأنه لا يريد بنا إلا الشر ،قال المولى القدير :(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا )٠
وبشأن أمر الله لنا بأن تكون زكواتنا وصدقاتنا وإنفاقنا على انفسنا وأهلينا وأولادنا من المال الحلال قال الرحيم الرحمن :(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون )٠
وفي القرآن الكريم يقول رب العالمين (وكلوا مما في الأرض حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)٠
ففي هذا النص القرآني الكريم أمران : الأول : الأكل من الحلال الطيب والثاني : الأمر بتقوى الله وكأن بين الأمرين ارتباطا وثيقا وعلاقة وطيدة تتمثل هذه الصلة التي بين هذين الأمرين أن الأكل من الحلال الطيب وتطييب الكسب مظهر من مظاهر تقوى الله عز وجل٠
والأكل من الحلال الطيب ليس أمرا قاصرا على المؤمنين وفقط بل هو أمر أمر به الله رسله وأنبيائه ولذلك نستطيع أن نقول إن الله أمر المؤمنين بما أمر به عباده المرسلين٠
قال الله عز وجل :(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)، وقال سبحانه :(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )٠
وبالنظر في هاتين الآيتين الكريمتين خاصة آية أمر الله رسله وأنبيائه بالأكل من الطيبات نجد ان في الآية جمعا بين أمرين : الأول : الأكل من الطيبات.
والثاني : عمل الصالحات يدل هذا الجمع على امرين:
الأول أن الأكل من الطيبات عبادة ولله امتثالا وطاعة يتساوى في ثوابه وأجره مع العبادة المحضة وكأن الذي يأكل من الطيبات راكع وساجد وقائم ومصلي ومزكي لله عز وجل ٠
الثاني : أن الله قدم الأكل من الطيبات على عمل الصالحات وفي هذا التقديم ما يدل على أن الأكل من الكسب والحلال الطيب شرط أساسي لقبول العبادات والطاعات٠
فما لم يكن كسب المتعبد حلا لا ورزقه طيبا فلا فائدة مما يقوم به من صلاة وصيام وزكاة يتقرب بها إلى الله عز وجل ، وأن شرط قبول ما يتعبد به المرء ربه ألا يطعم إلا حلالا كما ان شرط استجابة الله دعاء المؤمن وتحقيق رجاءه أن يطعم حلا لا طيبا٠
وفي الختام : نقول :
إن من بين المهام الذي بعث من أجلها رسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إحلال الطيب وتحريم الخبيث قال ربنا عز وجل :
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور أنزل معه أولائكهم المفلحون)

وكتبه اد عطية لاشين

زر الذهاب إلى الأعلى