فلسفة العلم تناهض العلوم الزائفة

روعة محسن الدندن 

حوارا عن “فلسفة العلم” مع الإعلامية والأديبة السورية /روعة محسن الدندن

و ضيف الحوار:

دكتور السيد إبراهيم أحمد، رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين والعرب ـ باريس، وعضو شعبة المبدعين العرب بجامعة الدول العربية، والمحاضر المركزي بهيئة قصور الثقافة ـ وزارة الثقافة المصرية.

يظن البعض أن اهتمام علماء فلسفة العلم بالعلم الزائف يأتي وليد العصر الحديث، بعد أن شهد العالم تقدما علميا وتكنولوجيا كبيرا في مجال العلوم، والثابت أن هذا العلم البديل أو الكاذب أو المزيف منتشر في المجتمعات الإنسانية منذ عشرات القرون، غير أن خطورته تكمن في تزييف الوعي والعقل، وتأخير تقدم الفكر الإنساني بنشر المعلومات الخاطئة، وهذا هو سر اهتمام العلماء بكشفه، ووضع الآليات والمبادئ التي تساهم في كشفه، وتيسر المهمة على من يتعرض لمثل هذه العلوم، خاصة وأن أخبار العلم الزائف تنتشر وتتأكد عبر وسائل الإعلام التي باتت تشكل رافدا وداعما لهذا العلم. حول العلم الزائف والعلم الحقيقي والفارق بينهما في ضوء فلسفة العلم نبدأ هذا الحوار مع الكاتب الموسوعي دكتور السيد إبراهيم:

post

١ـ سعادة الدكتور .. لنتعرف أولا على المعنى الحقيقي للعلم المزيف؟ ومن هم مؤسسوه؟ ومتى كان أول ظهور للعلم الزائف؟

لقد جاءت مقدمتك كاتبتنا الكبيرة روعة هانم، للتدليل على أن الموضوع ليس سهلا بل شائكا من نواحٍ كثيرة قد نتعرض لها خلال الحوار، لكن دعينا نتعرف أولا على مفهوم العلم من خلال العديد من المفاهيم، بأنه يشكل منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي فقط، وهو يعتمد على إجراء التجارب، بادئا بالفرضية ثم بالظاهرة التي تتبعها الملاحظة ثم تتبلور في نظرية لا تلبث أن تصير حقيقة أو قانون علمي باتفاق أهل كل علم وتخصص، وهو ما يعني أن العلم في النهاية أسلوب منهجي يقوم ببناء وتنظيم المعرفة في شكل تفسيرات وتوقعات قابلة للاختبار وذلك للتأكد من مصداقيته.

أما العلم الزائف؛ فهو الذي ينتحل عبر العديد من الدراسات صفة العلم الصحيح، غير أنه لا يقبل النقد ولا يصمد أمام أية اختبارات، وتأتي نتائجه مناقضة للقوانين والمبادئ العلمية الراسخة، ومع هذا فهو ينتشر بسرعة ويصدق الناس أطروحاته على الرغم من أنها تضرهم بشكل كبير، ويعود تصديق الناس لنواتج هذا العلم لأسباب عديدة، لعل أهمها هو افتقاد الناس للمعايير التي تستطيع إثبات زيفها، لكونهم لا يملكون القدرة العلمية على هذا، والكسل المجتمعي الناتج عن التقصير في التأكد من مصدر ناتج هذا العلم وحقيقته، ولهذا يعمد الناس إلى استخدام طريقة ليست علمية حين يجعلون مناط التصديق أو التكذيب لمدى صدق من أنبأهم أو مكانته منهم، وهو زيف جديد، وربما هذا دليل كاف لأسبقية تاريخ العلم الزائف زمنيا عن العلم الصحيح.

٢ـ ماهي أهم الأفكار أو العلوم التي يقوم عليها العلم الزائف؟

بعد أن حاول فلاسفة العلم وضع الفروق بين العلم والعلم الزائف، هالهم أن العلم الأخير كان يسعى لأن يصطبغ بغطاء العلم الحقيقي بل ويحتل نفس المكانة، وقد وجدوا أن التكنولوجيا الزائفة غالبا ما تكون هي الفكرة الأولى التي يقوم عليها العلم الزائف مؤخرا، ويتم الترويج عنها، بهدف تضليل المستهلكين كما أشار إلى هذا “باري ل. بيريشتاين” الذي قدم العديد من الأمثلة التي تشير إلى الأفكار التي يقوم عليها هذا العلم الزائف، ومن أسف أنها تأتي من علماء حقيقيين سقطوا سهوا في براثن هذا العلم، غير أن هناك من يعلنون عن بعض ما توصلوا إليه باعتباره أنه فتح جديد، وثورة علمية غير مسبوقة، ولعل هناك بعض من يشار إليهم بالبنان في عالمنا العربي في مجال التنمية البشرية، والبرمجة العصبية، وكانت القنوات تتبارى في استقطابهم، ودور النشر تتسابق لطبع كتبهم.

كما يندرج علم الطاقة ضمن الأفكار التي يقوم عليها العلم الزائف، والتي تبنته حركة العصر الجديد التي نجحت في أن تجد لها مكانا بين بعض الأديان الأرضية والسماوية على السواء، بل عملوا على أسلمة مفاهيم العصر الجديد تحت مسميات جديدة، وعبر مداخل التنمية البشرية وإدارة الأعمال وعلم النفس، وقد رصد هذه المحاولات الباحث السويسري “باتريك هايني” في كتابه المعنون: “إسلام السوق” حيث يرى أن من أهم خصائص هذه الظاهرة الانفتاح على العالم على حساب الهوية، وشيوع النزعة الفرادنية وسيولة المبادئ، والتخلي عن المبادئ الكبرى التي كانت تشغل الحركات الإسلامية مثل إحياء الخلافة والحاكمية.

غير أن العلم الحقيقي يحذر من انخدعوا بعلم الطاقة، بأن هناك ثلاثة أنواع فقط من الطاقة، هي: الطاقة الكهرومغنطيسية، وطاقة الجاذبية، والطاقة النووية، وتلك الأنواع التي يعرفها العلم وليس هناك نوع رابع.

ويتبنى العلماء المزيفون الترويج لعلم التنجيم؛ فالنتائج في تنبؤاتهم غالبا ما تكون مضمونة، ومن الممكن أن تتوافق مع الكثير من أفراد المجتمع، ويلحق بالتنجيم علم “الطب “البديل”، وغالبا ما يروج له بأنه علاج للعديد من الأمراض، وقد تأكد أن الطب البديل أو الطب التكميلى، أو الطب الشعبى التقليدى، أو التداوى بالأعشاب، أو الطب الصينى أو الآسيوى، أو الوخز بالإبر الصينية، أو العلاج بالطاقة أو العلاج الروحى أنها علوم زائفة لم يتم ثبوت صحتها، أو عدم إثبات صحتها بشكل علمى في أحسن الأحوال، بل من غير الممكن إثبات صحتها بشكل علمى، وقد أكد المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، أن تقنية تحليل الشخصية أو العلاج عن طريق خط اليد ليست لها قيمة علمية، وتدخل ضمن “العلوم الزائفة”.

٣ـ هل هناك علوم زائفة أخرى غير تلك التي ذكرتها يا دكتور؟

نعم، هناك علوم زائفة في البيولوجيا، والكيمياء والأحياء، والطب، والسيكولوجيا، وعلم ما وراء الطبيعة، وعلم ما وراء علم النفس، والأطباق الطائرة، والباراسيكولوجيا، وهو العلم الذي يهتم بالظواهر الخفية، ومنها: التخاطر أو “التلباثي” والذي صاغ مصطلحه “فريدرك مايرز”، وقد اهتمت كثير من الدراسات بكشف أبعاد هذه الظاهرة النفسية، ولم يزل الجدال العلمي قائما، فيرى القائلون بزيفها أنها لا تملك نتائج متكررة ناجحة عندما يتم تطيبقها، ويرى أغلب علماء النفس أن الدليل في كشوف الباراسيكولوجيا قليل وضئيل للغاية.

وقد تدهشين عندما تعلمين أن هناك علم الآثار الزائف، ولم تتضمنه كثير من التقارير والدراسات العلمية والأكاديمية، ونثبته هنا للعلم والتاريخ، ويسمونه علم الآثار الهامشي، وعلم الآثار البديل ومن خلاله يقوم بعض من ينتسبون للعلم الزائف بتفسير التاريخ عبر العصور السالفة من خلال معايير لم يعترف بها أو يقرها علم الآثار الحقيقي، وغالبا ما يستخدمون القطع الأثرية أو المواقع أو المواد المكتشفة لبناء نظريات لا تقوم على ركائز علمية، بل يروجون لاتصال المجتمعات البشرية فيما قبل التاريخ مع حياة ذكية خارج كوكب الأرض، وقد روج لها المؤلف السويسري “إريك فون داينكن” في كتبه، وكثيرا ما ينسجون قصصا مزيفة يصبغونها بالعلم وتدور حول الأهرامات وأبي الهول، وأن الحضارة المصرية جاءت سرقة عن طريق الفضاء والفلك وأسطورة جزيرة أطلانتس، كما روجوا لأسطورة لعنة الفراعنة التي بدأت قبل اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون، والترويج لنظريات خيالية لا تقوم على وقائع تاريخية وأسس علمية.

٤ـ كيف يمكننا تجنب الوقوع في هذا العلم الزائف؟

اهتم العلماء بالبحث والتقصي في وضع مبادئ للعلم الحقيقي تميزه عن العلم الزائف مع توضيح الخصائص التي يتميز بها العلم الزائف وتشير إليه، حيث يختلف العلم الزائف عن العلم الحقيقي، على الرغم من ادعاء رواده بأنه علم حقيقي، ولكنه لا يلتزم بالمعايير العلمية المقبولة، كالمنهج العلمي، وقابلية نقص الاتفتراضات، ومبادئ مرتون، وهذه المبادئ المسماة بـ “مبادئ مرتون” التي وضعها “روبيرت كيه. ميرتون” عام 1942، تقوم على خمس مبادئ تؤسس للعلم الحقيقي، ويرى ميتون أن مخالفة مبدأ منها يعتبر ما يدعونه علما لا علم، على الرغم من أن هذه المبادئ غير مقبولة بشكل واسع في المجتمعات العلمية، وهذه المبادئ هي: الأصالة في الطرح، حيث يجب أن تقدم الأبحاث أفكاراً جديدة للمجتمع العلمي، وثاني هذه المبادئ هو عدم الانحياز، والحيدة، والنزاهة، ونفي أية دوافع شخصية لتوقع نتائج محددة، وثالث المبادئ هو العمومية، ومنها ألا يقتصر الحصول على معلومات عن أفراد دون غيرهم، ورابع المبادئ هو الشك؛ فيجب ألّا ترتكز الحقائق العلمية على الإيمان التام بها، إذ يجب على الباحث أو العالم التشكيك دوما في كل قضية أو مناقشة علمية من أجل التحقق من وجود أخطاء أو ادعاءات مغلوطة فيها، وخامس هذه المبادئ تكمن في إتاحة العلم للجميع، ويتم ذلك بنشر نتائج كل البحوث وتتداول مع المجتمع العلمي.

٥ـ هذا عن مبادئ العلم الحقيقي، فكيف يتم تمييز العلم الزائف يا دكتور؟

من أجل هذا قام المحرران: “أليسون كوفمان” و”جيمس كوفمان” بتحرير كتاب: “العلم الزائف: مؤامرة ضد العلم”، وقد تناول العديد من الخبراء في المجالات المختلفة دراسة الحالة والحسابات الشخصية والتحليل كيفية التعرف على العلوم الزائفة ومكافحتها في عالم ما بعد الحقيقة، وكيفية تصديق الناس لمثل هذه العلوم الزائفة، من أولئك الذين يعيشون في عالم الأخبار المزيفة عندما يتم نشر العواطف والآراء على نطاق أوسع من النتائج العلمية، وما يمكن أن يؤديه هذا التصديق من مخاطر جمة على المجتمع، وقد حاول هؤلاء الخبراء أن يبينوا للشخص العادي كيفية التمييز بين العلوم الحقيقية والعلوم الزائفة.

ولقد وضح كارل بوبر أنه لا يكفي تمييز العلم الحقيقي عن العلم الزائف أو ما وراء الطبيعة (كالتساؤل الفلسفي حول معنى الوجود) بمعايير الالتزام الصارم بالمنهجية التجريبية، والتي تُعتبر استقرائية بطبيعتها، بالاعتماد على المشاهدات أو التجربة، واقترح طريقة بديلة للتمييز بين المناهج التجريبية الأصيلة، وغير التجريبية، وحتى التجريبية الزائفة، وضرب التنجيم كمثال على الأخيرة، والذي يناشد للمشاهدة والتجربة، ورغم إظهاره أدلة تجريبية مدهشة بناءً على مشاهدات للطوالع والسير الذاتية، إلا أنه فشل بشكل ذريع في توظيف المعايير العلمية المقبولة.

وقد أكد دكتور سمير عكاشة أحد أكبر فلاسفة العلم في الوقت الحاضر أنه يعتقد أن كارل بوبر كان على خطأ حينما اعتقد في إمكانية رسم معيار قاطع وسريع بين العلم والعلم الزائف، وكان أيضًا على خطأ حينما وضع الماركسية والتحليل النفسي الفرويدي في جانب ما هو زائف علميًّا في هذا التقسيم. لا أعتقد أن من المفيد محاولة رفض المساعي الفكرية كلها على أنها مجالات علمية زائفة ربما باستثناء حالات خاصة، مثل: “علم الخلق” أو “حركة التصميم الذكي في الولايات المتحدة”. كان جزء من خطأ بوبر أنه قدم توصيفًا مبسطًا للغاية عن المنهج العلمي في قصته “الحدس الفرضي والتفنيد”).

غير أن كارل بوبر يعتقد أن المعيار المقدم للتمييز بين العلم واللاعلم يكمن في مبدأ “التحقق” الذي يسمح لغير العلم بالدخول إلى حيز العلم، ومع هذا يؤكد بوبر على أن هذا المبدأ لا يشكل معيارًا حاسمًا للتمييز بين العلم واللاعلم، ويمكن تمييز العلم عن اللاعلم عن طريق التكذيب؛ فالعلم هو الذي تكون قضاياه قابلة للتكذيب، أما اللاعلم هو الذي تكون قضاياه غير قابلة للتكذيب، كما أن بوبر يعتقد أن الميتافيزيقا لا علم، لكن هذا لا يعني عنده أنها بلا معنى، بل أنها تقدم اسهامًا معينًا للعلم.

٦ـ كيف يتم تعامل العلم الحقيقي مع العلم الزائف؟

يحاصر العلماء من كبار المفكرين والعلماء وفلاسفة العلم من أمثال: “توماس جيلوفيتش”، “باري بيريشتاين”، “كارل بوبر”، “إمري لاكاتوش”، “سكوت ليلينفِلد”، “روري كوكر”، “جون كاستي”، “ماريو بَنج”، “ريتشارد ماكنالي”، “أنتوني براتكانيس” ذلك العلم الزائف واهتمامهم بوضع المعايير التي تميز بينه وين العلم الحقيقي، ومن هذه المعايير التي يخالفها العلم الزائف استخدامه بكثرة للفرضيات الاحتيالية غير القابلة للاختبار، على الرغم من خضوعها للاختبار بحسب معايير العلم الصحيح، ويتسم العلم الحقيقي بالاعتراف بوقوع الأخطاء ويعمل العلماء جاهدين على تصويبها، غير أن العلم الزائف يتسم بالمكابرة في رفضه الاعتراف بأية أخطاء تقع منه، ولا يعمل على تصويبها في حال وقوعها، ولا يسعى علماء هذا العلم ـ إن صح تلقيبهم علماء ، بالنشر في المجلات والدوريات العلمية المحكَّمة، تحت حجج واهية أدناها أن هناك من أهل وفلاسفة العلم الصحيح متربصون ضدهم، ويحاربون أفكارهم وإنجازاتهم حسدا من عند أنفسهم.

لا يستند العلماء الزائفون إلى الشهادات الجمعية في إثبات فرضياتهم بل يحتكمون ـ في الغالب ـ إلى عدد من النوادر الفردية وبعض شهادات الآحاد، بما يعني العجز عن قيام الدليل، ولعل من الأمارات الدالة على زيف العلم هو لجوء أصحابه إلى اختراع عدد من المصطلحات التي ينفرد به قاموسهم، محاكاة منهم لأهل العلم الصحيح، والتدليس على أفراد المجتمع لقبول مكتشفاتهم الموهومة، واختراعاتهم المزعومة.

٧ـ على الرغم من افتقاد العلم المزيف للمنهج العلمي إلا أن مواجهته شبه مستحيلة، فما السبب برأيكم دكتور السيد إبراهيم؟

هذا هو الواقع للأسف؛ فليس هناك مبادئ أو معايير فاصلة تبعث على اليقين بالحكم على علمٍ ما بأنه علم زائف، وكل ما يمكن فعله هو الوقوف على عدد من المعايير التي بوجودها تسمح بالحكم على العلم بالزيف إلى حد ما، أي بالمقاربة الموضوعية ليس إلا، وهذا هو ما يسمح لمثل هذه العلوم بالانتشار لما تملكه من قنوات تلفازية، ووسائل دعائية مختلفة، تجعل العامة من الناس بل وقطاعات من المثقفين من الإيمان بها، كما أن هذه العلوم تستند على العديد من الأسماء البراقة واللامعة التي تبعث في الناس الثقة في علمهم، ويرفضون أو لا يعلمون ما معنى أنه علم زائف، خاصة وأن كثير من مراكز الدراسات تعلن عن كثير من البرامج التي تسمح لغير المتخصصين الالتحاق بها ومنحهم الشهادات في احتفالات تقام لهذا الغرض، تحت مرأى ومسمع الكثير من الجهات العلمية التي لا تستطيع المنع أو التدخل على الأقل.

٨ـ ما الأخطاء الفكرية التي يقع فيها أصحاب العلم الزائف؟ ولماذا تجذب بعض الناس؟

تكمن الأخطاء الفكرية التي يقوم عليها العلم الزائف في تجنبهم لكافة الشروط والمعايير التي حددها علماء فلسقة العلم الحقيقي، والافتقار للمنهج العلمي، وهو ما وضحته في سياق الحوار الحالي.

بالنسبة للشق الثاني من السؤال، يخصص دكتور “”دانيال تي ويلينجهام” أستاذ علم النفس في الجزء الأول من كتابه: “متى يمكن الوثوق في الخبراء؟ التمييز بين العلم الحقيقي والعلم الزائف في مجال التعليم”، وجاء عنوان الجزء: “لماذا نصدِّق العلم الزائف بسهولة؟”، والذي بدأ عنوان أول فصوله على هيئة سؤال: “لماذا يصدِّق الأشخاص الأذكياء أمورًا غبية؟”، والذي يأتي متسقا ومتطابقا مع سؤال حضرتك روعة هانم، فيقول: (عندما لا نقيِّم الأدلةَ بدقةٍ فإننا نميل إلى تصديقِ أو عدمِ تصديق الأمور لأسبابٍ تافهة، وحتى عندما نقيِّم الأدلةَ بدقة فإننا نظل معرَّضين لتلك المؤثرات التافهة. إذا كنا مهتمِّين حقًّا بالتمسُّك بمعتقدات دقيقة، ومهتمين بصفة خاصة بمعرفة أي الممارسات أو الإصلاحات التعليمية “يستند إلى أساس علمي”، فماذا عسانا أن نفعل؟ جزء من الإجابة يتمثَّل في اكتسابِ فهمٍ أفضل للطبيعة الدقيقة لهذه “المؤثرات التافهة” المعرَّضين لها إلى حدٍّ بالغ)، كما يرى أن الأمر الأكثر لفتًا للانتباه هو أن الألفة تؤثر على المصداقية حتى عندما يعلم الأشخاص بضرورة عدم تصديق مصدر المعلومة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن الناس يصدقون الأمور التي يصدقها الآخرون، والصحيح أن الإعجاب ـ أيِ الإعجاب بأحد الأشخاص ـ يجعل ما يقوله ذلك الشخص أكثر مصداقيةً؛ ولذا يستخدم من يروجون لمنتجات وأفكار العلم الزائف أشخاصًا جذَّابين في إعلاناتهم.

٩ـ أليس هناك من يحمي الناس أو المستهلكين أو المخدوعين من إعلانات وأخبار العلم الزائف يا دكتور؟

أصدرت بالفعل وزارة الخارجية الألمانية بالتعاون مع معهد جوته دليلا للصحافة العلمية، وكان موجها في الأساس للصحافيين الذين يعملون داخل نفس المجال لكي لا يقعوا في شراك وخدع العلم الزائف ويروجون له في تقاريرهم باعتباره سيق صحفي، خاصة وأن انتشار الأخبار الكاذبة كوسيلة من وسائل العلم الزائف تشهد سرعة فائقة في الأونة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يصنع تحدٍ جديد أمام الصحافة العلمية، ووجوب التصدي لهذه الخرافات العلمية.

ولقد خصص الدليل الفصل الثالث للعلم الزائف، للتنويه بأن الأخبار الكاذبة عن العلم الزائف تشكل تهديدا لمصداقية الصحفي والوسيلة الإعلامية، وذلك عن طريق نشر المعلومة الخاطئة والمعلومة المضللة، والمعلومة الضارة، ولذا فقد وضعت اليونسكو عام 2018 “دليل الصحافة والأخبار الزائفة والتضليل”، يجب أن يراعي فيها الصحفي خمس مجموعات من الأسئلة وفق خمسة معايير، على النحو التالي: تاريخ نشر المعلومات، علاقة المعلومات بما يكتبه المحرر، مصدر المعلومات، صحة ودقة المعلومات، الهدف من النشر، وقد تم وضع العديد من المعايير التي يتم بها كشف الأخبار العلمية المزيفة من قبل الصحفيين المتخصصين في الصحافة العلمية، من أجل أن يتجنبوها، كما يجب أن يتجنب القارئ العادي أيا كانت درجة تعليمه وثقافته التصديق بكل ما يقدم له دون أن يتشكك فيه، ويبحث عن مصدر المعلومة.

١٠ـ ما الآثار المتولدة عن انتشار العلم الزائف في المجتمع العلمي والإنساني؟

إن هذا العلم الزائف بمثابة العلم المغشوش على الإنسان وقد يسبب بل يسبب بالفعل الضرر البالغ للفرد والمجتمع، وقد يستجيب الإنسان لأفكار ومقولات ومنتجات العلم الزائف إما بجهل أو بقصد، ذلك أن أهل العلم الزائف يشبهون في هيئتهم ومظهرهم أصحاب العلم الحقيقي، كما أن أضرار وآثار العلم الزائف تؤثر تأثيرا بالغا في التفكير الجمعي عن طريق الانتشار الواسع، والترديد لمقولات أهل العلم الزائف حتى تصبح من الحقائق المستقرة، كما أن انتشار الأخبار العلمية المضللة عن ترويج أدوية أو منتجات طبية سريعة المفعول، يدعمونها ببث إعلانات تثبت أن الفرد بعد استعماله لها لن يلجأ للأطباء من المتخصصين، كما ينشرون الأكاذيب المضللة عن أن أهل الطب يحاربون تلك المنتجات لأنها تؤثر على مراكزهم المالية تحفيزا للمستهلك في استخدامها انتقاما منهم، وسعيا للعلاج والشفاء، وهو ما يشكل خطرا على المجتمع.

لا يتبقى لي في ختام هذا الحوار الشيق والمفيد معا سوى تقديم الشكر والامتنان للكاتب الموسوعي دكتور السيد إبراهيم أحمد.. على أمل اللقاء بسيادته وبكم في حوار جديد نناقش فيه قضايا جديدة في مجالات عديدة مفيدة للمجتمع والمواطن العربي .. أترككم في أمان الله وأمنه حتى نلتقي مع تمنياتي بقراءة ماتعة ومفيدة.

زر الذهاب إلى الأعلى