نساء رائدات في مجال الطب

توحيده وهيلانه أول طبيبتان مصريتان

د.سحر السيد

كان من المستحيل حصر كل امرأة عظيمة أثرت في حياة مصر والمصريين، فمنذ ما يقرب من 4500 عام في مصر القديمة مارست “بسشيت” الطب لتصبح أول طبيبة يذكرها التاريخ بل وربما أول عالمة أيضا، وقد استغرق الأمر عدة الأف من السنين حتى تقتحم المرأة المصرية مجال الطب مرة أخرى، عندما أصبحت هيلانه سيداروس أول مصرية تمارس الطب في ثلاثينيات القرن العشرين،  كان للمرأة المصرية على مر التاريخ الإنساني نجاحات كثيره خاصة في تلك العصور التي شهدت فيها مسيرة تحرير المرأة تقدماً وصعوداً، فلمصر رصيد من الطبيبات الرائدات، صاحبات الفضل في التمهيد لأجيال لاحقة من شابات مصر لدارسة الطب وامتهانه، وفى الصفوف الأولى لهذه الكتيبة، تبرز الطبيبتان توحيده عبد الرحمن وهيلانة سيداروس، الزميلتان بأول بعثة طالبات مصريات لدراسة الطب بالخارج.

 

كانت توحيده عبد الرحمن أول طبيبة مصرية تعين بوزارة الصحة، ولدت توحيده في نوفمبر 1906، للأب عبد الرحمن محمد، وهى شقيقة المحامية المصرية مفيدة عبدالرحمن، وبفضل تفوقها الملحوظ بصفوف مدرسة السنية للفتيات تم ترشيحها من جانب إدارة المدرسة، وهى في سن الـ 16 لتكن ضمن أول بعثة فتيات مصريات لدراسة الطب في بريطانيا عام 1922، وكانت مدة البعثة عشر سنوات، قطعتهم في الدراسة بمثابرة وتفوق، لتعود عام 1932 إلى مصر وقد نالت درجة الدكتوراه والتصنيف الأول على البعثة، التي كانت مؤلفة من ست طالبات في، واختارت العمل بمستشفيات وزارة الصحة فكانت البداية لها بمستشفى شبرا العام، التي كانت معروفة باسم «كتشنر الخيري»، لتصبح أول طبيبة مصرية تعين بقطاع الصحة الحكومي، تميزت سنوات عملها بسمات محددة، أبرزها تفانيها في خدمة وتطيب غير القادرين، ما جعلها تواصل العمل بالمستشفيات الحكومية، وكذلك حرصها على نقل كل ما تملكه من خبرة وعلم إلى الأطباء والطبيبات الشباب، بلغت منصب كبيرة الطبيبات بوزارة الصحة، وانتدبت للعمل بإدارة الصحة المدرسية، فقد كانت صاحبة نظرة رائدة فيما يخص تطوير قطاع الرعاية الصحية بالمدارس، ولكنها تركت المجال الذى عشقته عشقا احتراما لكرامتها، بعد محاولة التدخل في مجريات إدارتها للعمل، فكانت الاستقالة التي لم تقبل بعدها أي محاولة لتغيير موقفها، وتوفيت في سبتمبر 1974.

 

post

توحيده لم تكن في صفوف الريادة وحدها. فقد كان معها وفى بعثة العشرة أعوام ذاتها، الطبيبة المصرية هيلانة سيداروس، التي عادت قبل توحيده إلى مصر، وتخصصت في مجال طب النساء والتوليد، فكانت أول طبيبة مصرية تدخل هذا المجال. عملت نائبة لمدة أربعة أعوام بمستشفى «كتشنر الخيري» وتتلمذت في هذه الفترة على يدى الأطباء الكبار على باشا إبراهيم ونجيب باشا محفوظ.

 

هيلانة سيداروس خاضت هذه المرأة تحديات متعددة الوجوه في التحصيل العلمي والعمل الاجتماعي والنشاط الوطني، وقد ذهبت إلى لندن بغرض التحصيل التعليمي لتكون مدرسة رياضيات، فإذا بها تعود من هناك وقد درست الطب لتكون من أوائل الرائدات في مجال الطب وأول طبية في مجال أمراض النساء والولادة، عاشت في الثلث الأول من القرن العشرين وهى من مواليد طنطا في عام 1904 والتحقت بعد دراستها الابتدائية بالقسم الداخلي بمدرسة السنية للبنات بالقاهرة ثم بكلية إعداد المعلمات، كانت هيلانة طفلة ضعيفة البنية فلم تتمكن من الذهاب إلى المدرسة في السن المقررة لذلك التحقت بكلية البنات القبطية وهى في الثامنة من عمرها وكانت تحلم بأن تكون طبيبة لتعالج المرضى وتخفف عنهم آلامهم ولتفوقها وتمتعها بذكاء شديد أرسلها والدها للالتحاق بالقسم الداخلي بمدرسة السنية بالقاهرة ثم التحقت بكلية إعداد المعلمات. كانت مدة الدراسة بهذه الكلية أربع سنوات، وبعد أن أنهت دراستها بالسنة الثانية بكلية إعداد المعلمات تم ترشيحها لبعثة حكومية للسفر لإنجلترا لدراسة الرياضيات لتفوقها فيها وفى الكلية في إنجلترا وبعد فترة من بداية دراستها علمت أن الدراسة ستقتصر على ما يعادل شهادة إتمام الدراسة الثانوية في مصر واتجهت لدراسة الطب، مع خمس مصريات أخريات، وكان ذلك عام،1922 واجتازت فترة الدراسة بنجاح وتفوق وفى 1929 أصبحت طبيبة مؤهلة لممارسة مهنة الطب وهى تبلغ من العمر25 عاماً، وعادت إلى مصر عام 1930 ومعها شهادة الطب والتوليد من الكلية الملكية البريطانية والتحقت للعمل بمستشفى كي تشنر بالقاهرة، وبعد انتهاء سنوات انتدابها بمستشفى «كتشنر»، قامت هيلانة بافتتاح عيادتها الخاصة لأمراض النساء والتوليد بمنطقة باب اللوق، لتصبح أول طبيبة مصرية تمتلك عيادة خاصة، وبعد أن تجاوزت هيلانا السبعين استقالت وانضمت للجمعية الخيرية القبطية للعمل الاجتماعي وهى الجمعية التي اهتمت بإنشاء المستشفى القبطي بالقاهرة والتي تم افتتاحها عام 1926 كما أنها أثناء فترة عملها بالجمعية الخيرية القبطية اهتمت بترجمة كتب للأطفال وغيرها من الكتب الشهيرة إلى أن توفيت في الخامس عشر من أكتوبر 1998

زر الذهاب إلى الأعلى