أمل سليمان تكسر قاعدة للرجال فقط

د.سحر السيد

عندما نبحث عن نماذج ناجحة من النساء، أو شخصيات ملهمة ومؤثرة عالميًّا فإننا نتجه غالباً إلى القراءة عن النساء في العالم الغربي، فالكثير منا لا يعتقد أن المرأة في الشرق الأوسط تستطيع أن تكون نموذجاً ملهماً، ولا تختلف المرأة العربية عن بقية الإناث الأكثر إلهاماً في العالم، فهناك العديد من النماذج العربية التي ينبغي على الجميع أن يعرفوا أكثر عنهن، وعن تجاربهن المذهلة عبر العصور.

فبمجرد سماع مصطلح مأذون يخطر في أذهاننا أن ثمة رجلاً في العقد الثالث أو ربما العقد الرابع من العمر، مرتديا عباءة وقفطان، ويتحدث معظم الوقت باللغة العربية الفصحى، وهذه الصورةٌ النمطية عن المأذون سرعان ما تغيرت بعد أن قررت السيدات اقتحام هذه المهنة التي كانت حكراً على الرجال لعقود طويلة، حتى جاء الوقت ودخلت فيها النساء بعد جدل كبير في حكمها الشرعي، حتى أفتى الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق بجواز عمل المرأة في مهنة المأذون الشرعي لما يتوفر فيها العدالة التي تستوجب توثيق عقود الزواج والطلاق.

ففي عام 2008 تم تعيين أول مأذونة مصرية وهي أمل سليمان، والتي صاحب تعيينها في هذا المنصب ضجة إعلامية كبيرة كونها أول سيدة تمتهن هذه الوظيفة، وكان العرف السائد من قديم الزمان أن هذه المهنة هي حكراً على الرجال، فبرغم أن القانون لا يشترط جنساً معين، فلم نعد نحيا في زمن فيه مهن مقتصرة على الرجال وأخرى على النساء، فأصبح بإمكان النساء إثبات مهاراتهن وقوتهن باقتحام المهن الصعبة بالتعلم والمثابرة وتحقيق الذات بما يميز كل منهن، فقد استطاعت أمل سليمان أن تكسر قاعدة “للرجال فقط” في مهنة كل من فيها رجال، وعلى الرغم من أنها أول مأذونه في مصر والوطن العربي، لكنها تمكنت من أن تحقق نجاحاً في مجالها، حتى إن كثيرين يطلبونها بالاسم. وترى أننا نعيش في عصر تمكنت فيه المرأة من اقتحام كل المهن التي كانت حكراً على الرجال يوماً ما.

فربما لم تكن تعلم أنها ستحرك المياه الراكدة داخل مدينتها الصغيرة وفي مصر والوطن الغربي، وتكسر حاجز العادات والتقاليد الموروثة أن المأذون يجب أن يكون رجلاً، لتصبح أول مأذونة في مصر والعالم العربي، بعدما اقتصرت وظيفة المأذون على الرجال فقط، ولهذا فقد كرمتها الدولة بتخصيص فقرة لها داخل مادة الدراسات الاجتماعية في المرحلة الابتدائية.

post

فمن هي أمل سليمان عفيفي” التي كانت على موعد لدخول التاريخ، عندما قررت الترشح للعمل كمأذونة عن مدينة القنايات، حيث خاضت حرباً مع 11 رجلاً مرشحين للمقعد بالمدينة وفازت عليهم، فهي من مواليد مدينة الزقازيق محافظة الشرقية وقد حصلت علي ليسانس الحقوق من جامعة الزقازيق عام 1998 كما حصلت علي دبلوماتين في القانون العام والجنائي عام 2005، كما تقدمت بأوراقها لهذا المنصب في 25 فبراير 2008 بعد خلوه بوفاة مأذون حي ثان بمدينة القنايات بمحافظة الشرقية، وقد صدق وزير العدل المصري في 4 سبتمبر 2008 على قرار محكمة الأسرة الصادر في فبراير الماضي بتعيينها في هذا المنصب، وقد عقدت أول زواج شرعي في 25 أكتوبر 2008 بحضور إعلامي واسع التغطية لحدث الأول من نوعه في مصر، وبذلك أثبتت التجربة نجاح المرأة في هذه المهنة وقد عقدت أمل منذ تعيينها أكثر من 3000 عقد زواج و200 حالة طلاق.

فقد بدأت الفكرة عندما توفى عم زوجها عام 2007 وكان يعمل مأذونا لمدينة القنايات بمحافظة الشرقية، فقررت التقدم بأوراقها لشغل مقعد المأذونة بالمدينة، وانتظرت الجهات المعنية لتوافق على استلام أوراقها، ومن حسن حظها أن الجهات المعنية متمثلة في وزارة العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في مصر، ووافق على تقديم أوراقها وكانت المفاجأة للجميع أن أصبحت أول مأذونه أنثى، وكانت المرة الأولى التي تسمح لامرأة بالقيام بتوثيق عقود الزواج والطلاق، وبذلك ساعدت أمل بتمهيد الطريق للنساء بأن يصبحن مأذونات في المستقبل، وتذليل العقبات أمامهم وتشجيعهم على تحقيق أحلامهم.

وبالرغم من أن قضية تولي المرأة وظيفة مأذون شرعي قد طرحت منذ سنوات ألا أن هناك العديد من وجهات النظر ما بين مؤيد ومعارض، فالبعض يري انه لا يجوز للمرأة تولي هذا المنصب، حيث لم يسبق لها مثيل في الفقه الإسلامي يمكن القياس عليه أو محاكاته، فضلاً عن أن تقاليد المجتمع وأعرافه لا تقبل أن تكون المرأة مأذونة بسبب ما يواكب العقد من مراسم وطقوس، بداية من دخول المسجد أو الكتابة فيه، ثم مَسْك المأذون بيد العريس وولي العروس، وما يليه من إلقاء خطبة حول آداب الزفاف والتخفيف في المهور وقواعد اختيار الزوج لزوجته والعكس من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وكل هذه الأمور ليس متاحا للمرأة أن تؤديها، ولا يجوز تَوَلِي المرأة وظيفة المأذون لتعارضها مع قواعد الشرع في حدوث الاختلاط والخلوة ومزاحمة مجتمع الرجال، كما انه إذا أقتضى الفعل إلى محرم كان محرماً، ومن ثم فإن عمل المرأة مأذوناً شرعياً يقتضي إلى محرم وأنه بالتالي يكون محرماً ومحظوراً شرعاً فضلاً عن أن الناس قد اعتادوا إبرام عقود الزواج بالمساجد اقتداءً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن يقبل المجتمع الإسلامي بكل ما لديه من أعراف وتقاليد راسخة أن توجَد امرأة تقوم بإبرام عقود الزواج أو الطلاق، مما يجعل الأمر أيضاً شبه مستحيل من الناحية الواقعية، ولكن مفتي الديار الدكتور علي جمعة أصدر فتوى رسمية أباح فيها عمل المرأة في وظيفة “مأذون”، لعدم تعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية، وقال في فتواه أن المرأة الرشيد  قادره أن تزوج نفسها وغيرها، وأن توكل في النكاح طالما توافر فيها شرطا العدالة والمعرفة.

وبالرغم من ذلك فان أي وضع جديد يكون غريباً في البداية، ولكن مع مرور الوقت يتأقلم الناس معه وبالتالي يقبلونه، وهو نفسه ما يحدث عندما تولت المرأة أي منصب كان حكراً علي الرجال، وكان الوضع غريباً على الناس في البداية، ولكن مع الوقت يقبل الناس الوضع ويصبح امرأ طبيعياً وكأنه معمول به منذ الأزل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى